louis vuitton
ugg online
التعريف بالمؤسسة
نشاط سالم يكن
بيانات ومواقف
الإخوان المسلمون
الحركات الإسلامية
الجماعة الإسلامية
فقهيات معاصرة
مراصد الموقع
أبواب دعوية
إستشارات دعوية
حوارات ومحاضرات
بأقلام الدعاة
مواقع صديقة
ملفات خاصة
اتصل بنا


الإمام البنـــــا

 
المنهجية
من خصائص منهجيته
الثوابت
النخبوية والجماهيرية
الاصلاحية والتغييرية
الجهادية في منهجيته
باحثة ألمانية تعيد ..
 
المنهجية

قراءة جديدة في منهجية الإمام الشهيد حسن البنا

بعد مرور ما يزيد على النصف قرن من التفاعل والتعامل مع المنهجية الدعوية التي وضعها وأسسها والإمام الشهيد حسن البنا (t وأرضاه) والتي تعتبر تجديداً في العمل الإسلامي – فكراً وتنظيماً، ومنهجية وسلوكاً – وبعد تجارب كثيرة على المستوى القطري والإقليمي والدولي للحركة، وبعد متغيرات في طبيعة العصر وخصائصه وثقافاته وتحدياته، وبعد متغيرات في طبيعة العصر وخصائصه وثقافاته وتحدياته، وبعد بروز مدارس ومنهجيات إسلامية متعددة على ساحة العمل الإسلامي، وبعد تنامي الصحوة الإسلامية.. بعد كل هذا وذاك أصبح من الواجب إعادة قراءة الثوابت والأفكار التي خلفها الإمام الراحل، لاستكشاف التالي:

أولاً: مــــدى التزام الحركات التي تعـــتبر نفسها امتــــداداً لهـــذه المنهجية بثوابتها؟

ثانياً: مدى قابلية هذه الأفكار والثوابت للاستمرار، وبالتالي صلاحيتها للبقاء والعطاء.

وقبل أن أتوقف عند عدد من المحطات والثوابت لا بد من الإجابة، ولو بسرعة على النقطتين المذكورتين.

أما عن مدى الالتزام بثوابت هذه المدرسة وأفكارها، فأقول وبكل صراحة وموضوعية بأن الالتزام هذا يختلف نسبياً بين بلد وبلد، إنما يمكن تسجيل بروز ظواهر واضحة من عدم الالتزام  بهذه المدرسة، وبخاصة في السنوات العشرين الأخيرة، وبتدرج وعلى مراحل..

وقد يعود سبب ذلك إلى الظروف التي عاشتها الساحة الإسلامية في هذه الفترة، منها بروز تيارات إسلامية مختلفة، كالتيار العنفي، والتيار السلفي، والتيار السلطوي، ومنها قيام تجارب في الحقل الإسلامي، كالتجربة الإيرانية، والتجربة السودانية والتجربة التركية.. ومنها الفراغ الذي أحدثه انهيار الاتحاد السوفياتي وانحسار المد القومي والشيوعي واليساري، واتساع دائرة الطلب والحاجة للفكر الإسلامي، ومنها عدم حصول قراءة جماعية تجديدية لفكر البنا، ومنها احتكار البعض لفكر هذه المدرسة واحتباسها ضمن الدائرة الشخصية أو القطرية أو التنظيمية الضيقة، بداعي الخوف على هذا الفكر من الضياع، أو بداعي الحرص على هذه المنهجية من الاختراق.. وهناك أكثر من باعث وباعث حال دون تمحيص ٍ مؤسَسّي ٍ لفكر البنا، كما حال دون تجديد ٍ جماعي ٍ مسؤول لنهج الحركة..

وفي اعتقادي ، لو أن الحركة كانت متفاعلة مع فكر المؤسس وثوابته، مبينة هذا الجانب أو مفسرة لذاك، ومستفيدة من هذا الرأي أو ذاك، وآخذة بهذه الحكمة أو تلك، عملاً بقول رسول الله r: "خذوا الحكمة من أي وعاء خرجت" وقوله r: "الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها".

أقول لو أن هذا حصل على امتداد عمر هذه الدعوة، لما كانت هناك انشقاقات واختراقات ، أوولادة مدارس ومنهجيات وأطروحات مختلفة، محسوبة على الحركة من جانب، ومسيئة إليها من جانب آخر، ومشرذمة للصف من جانب ثالث..

المشكلة تكمن في كيفية تعامل أرباب البيت مع أهل البيت.. وتعامل رب العائلة مع أفراد العائلة.. وتصرف القائد مع القاعدة التنظيمية، ومع الساحة الإسلامية..

إن الثقة بالفكر والثوابت والمنهجية التي نحمل ونعتمد، يجب أن تدفعنا إلى الانفتاح على من خالفنا، والاستماع إلى الرأي المعاكس، سواء كان من صفنا أو من صفوف غيرنا، فإما أن نقنعه بما عندنا وإما أن نضيف ما لديه إلى ما لدينا، من غير غضاضة ولا حرج..

لو أن ذلك حدث.. لما كانت هناك (المدرسة القطبية) و (المدرسة الترابية) و ( حزب الوسط ).. وغيرها من المدارس التي توالدت من رحم الحركة بشكل أو بآخر.

إن هذا وغيره مما أراه وأتابعه من ظواهر، تتكرر وتتجدد ، ولا تنتهي أو تختفي من واقع الساحة الإسلامية، بسبب احتباس فكر الإمام البنا في (قمقم التنظيم) إن لم أقل في (قبضة الأشخاص) مع احترامي الشديد لكل شخص، هو الذي دفع بي إلى كتابة ما كتبت وما أكتب وما سأكتب ـ بعون الله تعالى ـ حفاظاً على منهجية البنا، وتأصيلاً وتوضيحاً لعدد من الموضوعات المختلف فيها وعليها ، سائلا المولى عز وجل أن تكون بداية لمرحلة تجديدية ، تعين على معرفة الحق والنزول عنده، فالحق أحق أن يتبع، والحق يعلو ولا يعلى عليه، والرجال يُعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بهم، وهو حجة على الناس حتى يرث الله الأرض ومن عليها..

·        الانفتاح في منهج البنا:

لم تكن منهجية البنا سجينة قمقم الأطر التنظيمية، وقوالبها وهيكلياتها مع وجودها واعتمادها.. ولم يكن وجود هذه الأطر عائقاً دون الانفتاح على من هم خارجها، أو حائلاً دون التعاون والتنسيق معها ضمن قاعدة البنا الذهبية: ( نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه).

لم يحنط البنا (رضوان الله عليه) أعضاء التنظيم، ولم يحظر عليهم الانخراط في المجتمع الأهلي ومؤسساته، بل العكس كان الصحيح .. كان يعدهم ليكونوا (الروح التي تسري في الأمة لتحييها بالإسلام).

ولقد عرفت بنية الحركة بعد نشأتها أقساماً تعنى بالقضايا الاجتماعية، والاغاثية، والعلاقات الخارجية، والاتصال بالعالم الإسلامي وحكامه وشعوبه الإسلامية.

كان الشهيد البنا يعتبر التنظيم وسيلة لا غاية، وآلية لأهداف عليا، وليس بديلاً عنها أو ملغيا ً لها.

فإذا كان الإسلام منهجاً عالمياً، فإنه يفرض أن يكون أتباعه والعاملون له أفراداً ومؤسسات وحركات.. على جانب كبير من الانفتاح على العالمين: }وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين{.

-          وإذا كان الدور الأساس للإسلاميين معالجة البشرية من أمراضها وعللها، ومساعدتها على حل مشاكلها.. فإن ذلك يقتضي الانطلاق لا الانغلاق: "الخلق كلهم عيال الله، أحبهم إليه أنفعهم لعياله".

-          وإذا كان دور الأمة الإسلامية أن تكون شاهدة على الناس بالحق، فإن هذا الشهود يحتاج إلى الحضور لا الغياب : }وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً{ (البقرة:143).

-          وإذا كانت السياحة في الإسلام ضرباً من العبادة ووسيلة من وسائل الوعظ والاتعاظ، والتعلم والتعليم، فهي بالتالي مدعاة لأقصى درجات الانفتاح:

} قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين(137) هذا بيان للناس وهدىً وموعظة للمتقين(138) ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين(139) { (آل عمران).

}التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساحدون. الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين(112) { (التوبة).

-          وإذا كانت وظيفة الإسلاميين الأهم الدعوة والتبليغ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، فإن شرط ذلك كله الانفتاح }ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون{.

-          وإذا كان المشي في حاجة الناس من أعظم القربات إلى الله، فإن ضده القعود والجمود: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته"، "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالقائم الليل الصائم النهار".

-          إن الذي يحمل الخير لا يحتكره، وإن الذي يحمل النور لا يطفئه، وإن الذي يحمل الجمال لا يخفيه ويحبسه، وأن صاحب الدور الكبير لا يهمش ويعطله:

قد رشحوك لأمر لو فطنت له      فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

لقد أدرك الإمام البنا كل هذه المعاني والأبعاد وغيرها، فكان الحركة التي لا تهدأ، والشعلة المتقدة المضيئة ، والانفتاح الذي لا ينغلق، والرائحة الزكية التي تنشر طيبها في كل مكان.. فلا تقوقع، ولا تعليب، ولا غياب عن معترك الصراع، وإنما اندفاع وتدافع، وتحفز وتقدم، وتضحية وعطاء، ضمن دائرة سنة التدافع الإلهية، وفي إطار المعادلات القرآنية: }ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض{، }ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً. ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز. الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور{.

النخبوية والجماهيرية في خطاب البنا:
كان خطاب البنا شاملاً متنوعاً يغطي حاجات الشرائح الاجتماعية كلها..

-          فهو خطاب نخبوي مع الخاصة وخاصة الخاصة، يضعهم فيه أمام مسؤولياتهم العظام في قيادة الحركة وابتعاث النهضة الإسلامية.

-          وهو إلى جانب ذلك خطاب جماهيري يستنهض الأمم ويلامس مشكلات الناس وشؤون المجتمع وقضايا الأمة..

-          وهو خطاب (سلطوي) ينصح فيه الحكام وأركان الدولة، ومن في موقع القرار، امتثالاً للأمر النبوي: "الدين النصيحة. قلنا لمن؟ قال: لله ورسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم".

وكان الإمام البنا على علاقة مع كل طبقات المجتمع.. يعيش بين الناس، يستمع إليهم ويستمعون، يحادثهم ويحادثونه. فهو تارة في المسجد يتحدث إلى المصلين، وطوراً في المركز العام يعالج مشاكل الأمة من خلال حديث الثلاثاء، وطوراً آخر في زيارات للجمعيات يوثق العلائق ويبني الجسور، أو في مقهى يشد القلوب إلى الله مستقطباً الطاقات لخدمة الإسلام.. ثم هو لا يقصر في لقاء غير المسلمين والتحدث إليهم واكتشاف الجوانب والقواسم المشتركة للتنسيق والتعاون.

استيعاب البنا العلماء وإنزالهم منزلتهم:
ومن خصائص منهجية الإمام البنا إقباله على العلماء وإنوالهم منزلتهم، فهم ورثة الأنبياء والأفقه في دين الله، والأقدر على تبليغ دعوته، والتأصيل الشرعي للمواقف المختلفة، إضافة إلى أنهم أئمة المساجد وخطباء المنابر، والفاعلون في صياغة العقول وتكوين الرأي العام وتعبئة الجماهير.

وبالرغم من صعوبة هذا الأمر لاعتبارات شتى، وأسباب مختلفة فقد كان البنا حريصاً على عدم تجاوز العلماء، أو قطع الصلة بواحد منهم يزرو هذا، ويشاور ذاك، ويشرك الجميع في حمل أعباء المشروع الإسلامي.

وقد أدى هذا الانفتاح إلى مشاركة جمهرة من العلماء في مختلف مؤسسات الحركة وأقسامها، بل أن معظم العلماء الذين تميزوا بالإبداع والانفتاح والعطاء والاجتهاد مرّوا وتأثروا بالحركة ومؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا.

إنما هذه الظاهرة الصحية لم تدم طويلاً، ولم تستمر بنفس الزخم بعد استشهاد الإمام، حيث تراجعت مساحة الوجود العلماني في الحركة، ونشأت إشكالية الصراع بين العلماء وبين التنظيم.

وهذه الإشكالية تحتاج أولاً إلى دراسة لاستكشاف خلفياتها وأسبابها المختلفة، فما تقع مسؤوليته على الحركة، كانت هي أولى بمعالجته ابتداءً، لأن الخسارة التي يمكن أن تنجم عن انحسار الوزن العلمائي في الحركة كبيرة وكبيرة جداً.

منهجية التغيير والتدرج في الخطوات:
ومنهجية الإمام الشهيد حسن البنا تعتمد المرحلية والتدرج في الخطوات، ولا تلجأ إلى القفز فوق الاعتبارات الواقعية والسنن الكونية، والأصول الشرعية..

-          فهي لا تعتمد أسلوب الانقلاب العسكري للوصول إلى الحكم، والذي يلجأ إلى فرض المشروع الإسلامي بقوة الحديد والنار، وعادة ما يستدرج الساحة الإسلامية إلى فتن عمياء ويتسبب بمفاسد كبيرة وخطيرة.

-          وهي لا تعتمد أسلوب الثورة الشعبية التي تجر إلى حروب أهلية، وصراعات داخلية من شأنها إجهاض المشروع الإسلامي وتشويه صورته المشرقة البهية.

-          كما أنها لا تكتفي بالوعظ والإرشاد دونما تفكير ببلوغ الحكمومواقع القرار، ولاستئناف الحياة الإسلامية وتطبيق الشريعة الغراء.

-          إنما كانت منهجية الإمام الشهيد حسن البنا تعتمد القاعدة الربانية في التغيير، والتي تحقق البعد الحقيقي والمضمون الجوهري لرسالة الإسلام، والمبنية على قوله تعالى: }إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم{.

-          وفي ضوء هذه القاعدة حرص الإمام البنا على إنضاج الخطوات، وعدم الاستعجاب، وإحراق المراحل بدعوى الوصول إلى السلطة، وذريعة امتلاك القرار. فهو يعتبر أن من قطف ثمرةً قبل أوانها عوقب بحرمانها، وأن السلطة وسيلة لإقامة شرع الله وليست غاية بذاتها، أ, بديلاً عن شرع الله. وأن بلوغ السلطة قبل امتلاك القدرة على أسلمتها، أو تسخيرها في أسلمة الواقع، والخروج به من مشكلاته المختلفة.. من شانه إجهاض المشروع الإسلامي والإشاءة إلى الإسلام وتشويه صورته، والحكم عليه بالفشل..

والحقيقة أن كل محاولات الاستعجال، ومشاريع القفز، أجهضت، أو أفرغت من محتواها ولم تحقق الجدوى المطلوبة.

تقدير الكفاءات الشخصية وتقديمها على الاعتبارات التنظيمية:
ومن خصائص منهجية الإمام الشهيد حسن البنا ، أنه كان يقدرالكفاءات الشخصية  بالرغم من كونه مؤسس الحركة، وواضع هيكليتها التنظيمية، وباني مؤسساتها المختلفة والحريص عليها.. إنما لم يكن ليتعامل بحرفية التنظيم حيال مصلحة معتبرة، أو مفسدة مقدرة.

فإن حلت الرخصة في التشريع لعلة.. أفلا تحل في التنظيم؟ وإن أبيحت المحظورات في الإسلام للضرورات التي تقدر بتقدرها.. أفلا تباح في الحركة؟

وإن جرى تعليق حد السرقة عام المجاعة، وصدر العفو النبوي حيال جريمة (حاطب بن أبي بلتعة) لسابقته وبلائه في الإسلام والجهاد ولكونه من أهل بدر.. أفلا يكون الأخذ بذلك في التنظيم أولى وأدعى؟

إن الإمام الشهيد حسن البنا كان يقدم الاعتبار الشرعي على الاعتبار التنظيمي، بل إنه كان يبني كل الاعتبارات على الشرع، فالشرع هو المقدم، والتنظيم خادمه وتابعه ومبرر وجوده.

وأي خلط بين الأمرين يمكن أن يؤدي إلى الوقوع في محظورات شرعية، وانتكاسات تنظيمية، قد لا يلقي البعض إليها بالاً، وقد يلجأ البعض الآخر إلى تبريرها هروباً من مسؤولية الانحراف والتقصير، وفراراً من الاعتراف بالخطأ، وبخاصة إذا اعتبر تنظيم ما نفسه فوق الخطأ.

* فالإمام البنا t وأرضاه كلف من رآه أهلاً لإقامة عمل باسم التنظيم في بلده، ممن خبرهم خلال دراستهم في مصر، من غير تقيد حرفي بالاعتبارات التنظيمية..

* وتقديره الشخصي للأستاذ حسن الهضيبي، رشحه ليكون أول مرشد عام للحركة من بعده، وفي ظروف جد صعبة ودون تدرج في مراتب العضوية، وتقيد بمفردات وحرفيات التنظيم.

فهنالك من الاعتبارات الشرعية ما يمكن أن تتجاوز الاعتبارات التنظيمية، ولن تخل بها أو تضعفها، إن لم نقل تدعمها وتصححها وتؤصلها. والله أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

من خصائص منهجيته

من خصائص منهجية البنا

 

·        السببية في المشروع الإسلامي:

يقول الإمام البنا: (إن ميدان القول غير ميدان الخيال، وميدان العمل غير ميدان القول، وميدان الجهاد غير ميدان العمل. وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ. قد يسهل كثير أن يتخيلوا، ولكن ليس كل خيال يدور بالبال قد يسهل تصويره أقوالاً باللسان، وإن كثيرين يستطيعون أن يقولوا، ولكن قليلين من هذا الكثير يثبتون عند العمل. وكثير من هذا القليل يستطيعون أن يعملوا، ولكن قليلاً منهم يقدرون على حمل أعباء الجهاد الشاق والعمل العنيف، وهؤلاء المجاهدون وهم الصفوة القلائل من الأنصار قد يخطئون الطريق ولا يصيبون الهدف إن لم تتداركهم عناية الله. فأعدوا أنفسكم واقبلوا عليها بالتربية الصحيحة والاختبار الدقيق وامتحنوها بالعمل، العمل القوي البغيض لديها الشاق عليها، وافطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعاداتها..).

·        العالمية في المشروع الإسلامي:

يقول الإمام البنا: (أما العالمية فهو هدفنا الأسمى وغايتنا العظمى وختام الحلقات في سلسلة الاصلاح. والدنيا صائرة إلى ذلك لا محالة، فهذا التجمع في الأمم، والتكتل في الأجناس والشعوب، ممهد لسيادة الفكرة العالمية وحلولها محل الفكرة الشعوبية القومية.

نرجو في مصر دولة مسلمة تحتضن دعوة الإسلام، وتجمع كلمة الأمم العربية وتعمل لخيرها وتحمي المسلمين في أكناف الأرض من عدوان كل ذي عدوان، وتنشر كلمة الله وتبلغ رسالته حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله).

ويقول: (وإذا لم تقم في الدنيا (أمة الدعوة الجديدة) تحمل رسالة الحق والسلام فعلى الدنيا العفاء، وعلى الإنسانية السلام).

ويقول: (والدولة التي تقود الدول الإسلامية، وتضم شتات المسلمين، وتستعيد مجدهم، وترد عليهم أرضهم المفقودة، وأوطانهم المسلوبة، وبلادهم المغصوبة، ثم تحمل علم الجهاد، ولواء الدعوة إلى الله، حتى تسعد العالم بتعاليم الإسلام).

·        التغييرية في المشروع الإسلامي:

يقول الإمام البنا: (في هذا الحال لا يجدي في الانقاذ الترقيع الاداري).

ويقول: (قد يكون مفهوماً أن يقنع المصلحون برتبة الوعظ والارشاد إذا وجدوا من أهل التنفيذ اصغاء لأوامر الله وتنفيذاً لأحكامه. أما والحال كما نرى التشريع الاسلامي في واد والتشريع الفعلي والتنفيذي في واد آخر، فإن قعود المصلحين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الاسلام الحنيف، ومن أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله).

·        الحكم في المشروع الإسلامي:

يقول الامام البنا: (اذكروا دائماً أن لكم هدفين أساسيين:

1-   أن يتحرر الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي، وذلك حق طبيعي لكل إنسان لا ينكره إلا ظالم جائر أو مستبد قاهر.

2-  أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الاسلام وتطبق نظامه وتعلن مبادئه القويمة، وتبلغ دعوته الحكيمة للناس، وما لم تقم هذه الدولة، فإن المسلمين جميعاً آثمون مسؤولون بين يدي الله العلي الكبير...).

·        الاصطفائية في المشروع الاسلامي:

يقول الإمام البنا: (ينظر الناس في الدعوات إلى مظاهرها العملية وألوانها الشكلية، ويهملان كثيراً النظر إلى الدوافع النفسية والالهامات الرحية التي هي في الحقيقة مدد الدعوات وغذاؤها.. ومحال أن تنهض أمة بغير هذه اليقظة الحقيقية في النفوس والأرواح والمشاعر: }إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم{).

ويقول في معرض إنكاره وعتابه على العماء الذين يمالئون الغاصبين ويؤثرون المنافع الخاصة والمطامع الدنيوية على مصلحة الأمة: (وهل يأمر الدين بهذا؟ وهل تمليه سيرة الاجلاء الأفاضل من علماء الأمة الإسلامية الذين كانوا يقتحمون على الملوك والأمراء أبوابهم وسدودهم، فيقرعونههم ويأمرونهم وينهونهم ويرفضون أعطياتهم ويبينون لهم الحق ويتقدمون إليهم بمطالب الأمة، بل ويحملون السلاح في وجوه الجور والظلم، وما نسي التاريخ بعد كتيبة الفقهاء من صنف (ابن الأشعث) في شرق الدول الإسلامية، ولا ثورة القاضي بن يحيى الليثي المالكي في غربها).

ويقول مخاطباً الرعيل الأول في الحركة: (آمنوا بالله، واعتزوا بمعرفته والاعتماد عليه والاستناد إليه، فلا تخافوا غيره، ولا ترهبوا سواه، وأدوا فرائضه واجتنبوا نواهيه. وتخلقوا بالفضائل، وتمسكوا بالكمالات، وكونوا أقوياء بأخلاقكم أعزاء بما وهب الله لكم من عزة المؤمنين وكرامة الأتقياء الصالحين.

وأقبلوا على القرآن تتدارسونه، وعلى السيرة المطهرة تتذاكرونها. وكونوا عمليين لا جدليين، فإذا أهدى الله قوماً ألهمهم العمل، وما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل.

وتحابوا فيما بينكم واحرصوا كل الحرص على رابطتكم فهي سر قوتكم وعماد نجاحكم، واثبتوا حتى يفتح الله بينكم وبين قومكن بالحق وهو خير الفاتحين.

واسمعوا وأطيعوا لقيادتكم في العسر واليسر، والمنشط والمكره فهي رمز فكرتكم وحلقة الاتصال فيما بينكم. وترقبوا بعد ذلك نصر الله وتأييده).

·        المعنوية القيادية:

يقول الإمام البنا: (لا تيأسوا، فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد.. والضعيف لا يظل ضعيفاً طول حياته، والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين.. إن الزمان سيتمخض عن كثير من الحوادث الجسام، وإن الفرص ستسنح للأعمال العظيمة، وإن العالم ينظر دعوتكم دعوة الهداية والفوز لتخلصه مما هو فيه من الألم. وإن الدور عليكم في قيادة الأمم وسيادة الشعوب، وتلك الأيام نداولها بين الناس..).

·        الجماهيرية في المشروع الإسلامي:

يقول الإمام البنا: (وأما الشعب، فنحن نقولها في صراحة إنه على أتم استعداد لبذل كل شيء، ولكن في طريق واضحة مرسومة تؤدي إلى الحرية أو الشهادة.. أما إذا استمرت الحكومة في ترددها وتراخيها واضطرابها، فلن يؤدي ذلك بالشعب إلا إلى أحد أمرين: إما أن (يثور) وإما أن (يموت) وكلاهما جريمة لا يغتفرها أبداً التاريخ).

·        الجهادية في المشروع الإسلامي:

يقول الامام البنا: (عدتنا هي عدة سلفنا من قبل: لقد آمنوا أعمق الإيمان وأقواه وأقدسه وأخلده بالله ونصره وتأييده، وبالمنهاج ومزيته وصلاحيته، وبالاخاء وحقوقه وقدسيته، وبالجزاء وجلاله وعظمته وجزالته. ولقد علموا أصدق العلم وأوثقه أن دعوتهم هذه لا تنتصر إلا بالجهاد والتضحية والبذل، وتقديم النفس والمال، فقدموا النفوس وابذلوا الأرواح، وجاهدوا في الله حق جهاده وكذلك كانوا صدق جهاد، وعظيم تضحية، وكبير بذل، وكذلك نحاول أن نكون. ونحن بعد هذا كله واثقون بنصر الله، مطمئنون إلى تأييده).

·        الموقف من الاستكبار العالمي:

يقول الامام البنا: (لقد فاوضتم الانجليز فلم تصلوا إلى شيء لتعنتهم وتصلبهم ومناوراتهم.. واحتكمتم فلم تصلوا إلى شيء كذلك، أمام تغليب المصالح الدولية والمطامع الاستعمارية.. ولم يبق إلا (النبذ على سواء) بأن نعلنهم الخصومة الصريحة السافرة، ونقرر في صراحة الغاء ما بيننا وبينهم من معاهدات واتفاقات، ونعلن اعتبار أمة الإسلام معهم في حالة حرب (وأما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين).

·        الميدانية في المشروع الإسلامي:

يقول الإمام البنا: (خالف هذا النظام القرآني غيره من النظم الوضعية والفلسفات النظرية، فلم يترك مبادئه وتعاليمه نظريات في النفوس، ولا آراء في الكتب، ولا كلمات على الأفواه والشفاه.. ولكنه وضع لتركيزها وتثبيتها والانتفاع بها وسائل عملية والزم الأمة بها) ويقول: (على قواعد هذا النظام القرآني الفاضل قامت الدولة الإسلامية الأولى، تؤمن به إيماناً عميقاً، وتطبيقه تطبيقاً دقيقاً، وتنشره في العالمين، حتى كان الخليفة الأول يقول: (لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله)، ويقول: (والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله r لقاتلتهم عليه ما استمسك السيف بيدي)).

الثوابت

ثوابت العمل الاسلامي في منهجية

الإمام الشهيد حسن البنا

[1]  مبادئ عامة

غاية الجماعة :
الرسالة التي تريد الجماعة إبلاغها للناس, وأن تفهمها الأمة الإسلامية حق الفهم, وأن تهب لإنقاذها في عزم ومضاء, هي أن مهمتنا سيادة الدنيا وإرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس.

هل نحن جماعة المسلمين :
إن الإختيار الفقهي لمؤسس الجماعة لم يكن النظر إليها باعتبارها جماعة المسامين المقصودة في الأحاديث, وإنما هي داعية بعون الله لتحقيق جماعة المسلمين, وعلى هذا:

1-            لا تقاس شروط العضوية على شروط الإسلا م

2-             لا تقاس شروط الفصل على شروط الردة.

3-             يمكن للجماعة أن تلزم أفرادها بأكثر مما يلزمها به الإسلام على وجه التفصيل, كالنظم الداخلية واللوائح مثلاً.

4-            الجماعة ليست مطالبة بالقيام بواجبات الخلافة كلها قبل إيجاد الخليفة, بل الواجب إيحاد الخليفة لتحقيق تلك الأمور.

5-            لا تقاس شروط  أمير الجماعة وواجباته على شروط أمير المؤمنين وواجباته.

ومع هذا الأختيار, فأن الجماعة تعتقد أن الدور الذي تقوم به واجب شرعاً, وأن المتخلف عن الانضمام لمثلها آثم, إلا أن يجحد الهدف , وهو تحكيم شرع الله, فيكون كافراً مرتداً.

ومع يقين الجماعة أن العمل مع غيرها لهذا الهدف يرفع الإثم عن المسلم , إلا أنها ترى أنها  الجماعة التي وقع عليها اختيار القدر لإنقاذ العالمين.

هل نحن دعوة خاصة أم عامة :
بناء على ما تقدم, ترى الجماعة أن دعوتها عامة لجميع الناس, وليست خاصة بصفوة معينة من المجتمع, فهي لا تتحرج في ضم المقصرين في الطاعات, المقبلين على بعض المعاصي الخسيسة, ما دامت تعرف منهم خوف الله واحترام النظام وحسن الطاعة, فهي تأمل تربيتهم بداخلها, ولكنها ترفض الملاحدة كما ترفض الصالحين الذين لا يحترمون النظام ولا يقدرون معنى الطاعة لعدم صلاحيتهم للعمل الجماعي. ومن مهمة الجماعة تحويل عناصرها إلى صفوة بين الناس, لأنه لا يصلح لهذه الدعوة إلا من حاطها من كل جوانبها, ووهب لها ما تكلفه إياه من نفسه وماله ووقته وصحته على تفاوت بين العناصر في استعدادهم وإمكاناتهم والتزامهم.

موقفنا من فرق المسلمين :
 ترى الجماعة أن الملمين على اختلاف فرقهم وطوائفهم أمة واحدة, وهي تسعى لتوحيدهم حول فهمها للإسلام كما ورد في الأصول العشرين.
 
موقفنا من غير المسلمين :
ترى الجماعة أن غير المسلمين نسالمهم ما سالمونا, ونحب لهم الخير ما كفوا عدوانهم عنا, ونعتقد أن بيننا وبينهم رابطة الدعوة, وعلينا أن ندعوهم إلى ما نحن فيه لأنه خير الإنسانية كلها, وأن نسلك إلى نجاح هذه الدعوة ما حدده لها الدين نفسه من سبل ووسائل, فمن اعتدى علينا منهم رددنا عدوانه بأفضل ما يرد به عدوان المعتدين.   
 
[2] السرية والعلنية
 

علنية الدعوة :
الأصل في دعوتنا - باعتبارها دعوة - أنها علنية. فنحن نحب أن نصارح الناس بغايتنا, وأن نجلي أمامهم منهاجنا, وأن نوجه إليهم دعوتنا, في غير لبس ولا غموض, أضواء من فلق الصبح, وأبين من غرة النهار. وهذا لا يقتصر على الدعوة إلى الإسلام بصورة مطلقة فحسب, وإنما يشمل الدعوة إلى الجماعة نفسها, فالباب ينبغي أن يكون مفتوحاً على مصراعيه لمن أراد أن يدخل إلى الجماعة أو يخرج منها, وأعمال الجماعة يجب أن تكون جلية لا خفاء بها ولا سر فيها, حتى بالنسبة إلى المدعوين أول الأمر, فإنهم يجب أن يعلموا أنهم مدعوون إلى جماعة معينة ذات أهداف واضحة.


سرية التنظيم :
غير أن هذا الأصل لا يعني أن تكشف الدعوة من أول يوم عن جميع  مراحل خططها مما ينبه الأعداء, بل يجب عدم التسرع في كشف أي أمر يثير عليها أعداءها قبل الأوان.
 

في الظروف الاستثنائية :
وقد تمر بالبلاد ظروف استثنائية - كإعلان الأحكام العرفية مثلاً - فعلى الجماعة, إذا كانت غير مهيأة لتحمل نتائج المواجهة, أن تخفف مما من شأنه إثارة النظام عليها, وقد تضطر الجماعة للتوقف عن بعض ما كانت تمارسه في الأحوال العادية.

كذلك قد تمر بالبلاد ظروف صعبة جدا ًيستحيل معها العمل المعلن, فتلجأ الجماعة مضطرة إلى العمل السري, وهو يهدف إلى:

1-      حفظ أفراد الدعوة من التبدد.

2-      استمرار النشاط الدعوي للجماعة.

3-      إمداد الجماعة بعناصر جيدة.

ووسيلة ذلك نظام الأسر, حيث تعتبر كل أسرة صورة مصغرة عن الجماعة, وترتبط الأسر بعضها ببعض بتسلسل هرمي لتحقيق ما يلي:

1-      تتلقى الأسرة توجيهات القيادة عن طريق النقيب.

2-      تقوم كل أسرة بجميع النشاطات الدعوية المطلوبة من الجماعة مما يستلزم أن يكون لها صندوق مالي خاص.
3-      تقوم كل أسرة بإنشاء أسر جديدة بعدد أفرادها.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا النظام إنما استحدث لمواجهة حالة السرية التامة في العمل.
 

أحكام خاصة :
يمكن للجماعة في حالة العمل المعلن استخدام نظام الأسر ليغطي الجوانب التي لا يحسن الإعلان عنها, فتتم أمور كثيرة من خلال هذا النظام, كاستفتاء على قضية أو تبليغ قرار أو تحليل موقف.
كذلك يمكن اللجوء إلى سرية انتماء بعض الأشخاص للجماعة, لظروف تقدرها القيادة.

[3] الجهاد والقوة
 الجهاد :

الجهاد هو الفريضة الماضية إلى يوم القيامة, وأول مراتبه إنكار القلب وأعلاها القتال في سبيل الله, وبين ذلك جهاد اللسان والقلم واليد وكلمة الحق عند السلطان الجائر. ولا تحيا الدعوة إلا بالجهاد.

ومن مراتب الجهاد - مما هو دون القتال في سبيل الله - العاطفة الحية القوية التي تفيض حناناً إلى عز الإسلام ومجده, والتفكير الجدي في طريق النجاة وتلمس سبيل الخلاص, والنزول عن بعض الوقت وبعض المال وبعض مطالب النفس لخير الإسلام وبني المسلمين. ومن مراتبه الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, والنصح لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم, والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة, والتنكر لمن تنكر لدينه, ومقاطعة من عادى الله ورسوله, والعمل على إقامة ميزان العدل وإصلاح شؤون الخلق وإنصاف المظلوم والضرب على يد الظالم مهما كان مركزه وسلطانه, فمن لم يوفق إلى شيء من ذلك كله فحب المجاهدين والنصح لهم جهاد.

القوة :

القوة شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته, وأول درجة من درجات القوة، قوة العقيدة والإيمان, ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط, ثم بعد ذلك قوة الساعد والسلاح. ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعاُ. وإنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك.

استخدام القوة :

القوة لا تكون أول علاج وإنما آخر دواء, ومن الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة ونتائجها الضارة وما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف, ولا يصح أن يستخدم الإنسان القوة وليكن بعد ذلك ما يكون.

والجماعة لا تلجأ للقوة إلا مضطرة وإنما تستخدم القوة العملية حيث لا يجدي غيرها, وبعد أن تثق أنها استكملت عدة الإيمان والوحدة. وإذا استخدمت القوة فستكون الجماعة شريفة صريحة، تنذر أولاً، وتنتظر بعد ذلك، ثم تقدم في كرامة وعزة، وتتحمل كل نتائج هذا الموقف، ولا تلقي التبعة على غيرها، وهي واثقة عندئذ بنصر الله.

لماذا يقاتل المسلم :

فرض الله الجهاد على المسلمين لا أداة للعدوان ولا وسيلة للمطامع الشخصية ولكن حماية للدعوة وضماناً للسلم وأداء للرسالة الكبرى التي حمل عبئها المسلمون، رسالة هداية للناس إلى الحق والعدل، وأن الإسلام كما فرض القتال شاد بالسلام فقال تبارك وتعالى: }وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله{ (الأنفال)... كان المسلم يخرج للقتال وفي نفسه أمر واحد أن يجاهد لتكون كلمة الله هي العليا.

[4] مراحل العمل

مقدمة :

ذكر الإمام الشهيد أن من خصائص الدعوة التدرج في الخطوات، وحدد مراحل كل دعوة بثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج. وقال بأنه كثيراً ما تسير هذه المراحل الثلاث جنباً إلى جنب نظراً لوحدة الدعوة وقوة الارتباط بينها جميعاً. فالداعي يدعو، هو في الوقت نفسه يتخير ويربي، وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك، وأشار في رسالة المؤتمر الخامس إلى أن الخطوة التنفيذية لم تكن قد حصلت بعد، كما أشار في رسالة التعاليم إلى أن إقامة المنشآت النافعة من وسائل التعريف، وبين أن انضمام الأخ إلى كتيبة المجاهدين يجعله في مرحلة التكوين وبالقرب من مرحلة التنفيذ.

من هذه النصوص نستنتج أن التنفيذ بمفهومه العام قد يكون جزءاً من عملية التعريف (كأعمال الخدمة العامة) أو جزءاً من عملية التكوين (كتنظيم المخيمات)، أما التنفيذ بمفهومه الخاص، والذي هو إقامة الدولة وإعادة الخلافة، فهو مرحلة متأخرة.

كذلك حدد الإمام الشهيد مراتب العمل بأنها سبع:

1-     إصلاح الفرد

2-     إصلاح البيت

3-     إصلاح المجتمع (وهذه الثلاث من واجبات الفرد والجماعة)

4-     تحرير الوطن

5-     إصلاح الحكومة

6-     إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية (بتحرير أوطانها وتوحيدها وإعلان الخلافة).

7-     أستاذية العالم (وهذه الأربع من واجبات الجماعة كهيئة عاملة).

وذكرت هذه المراتب في أماكن أخرى أخرى بتجميع مختلف. وهذه المراتب ليست كلها منفصلة زمنياً عن بعضها البعض. فصلاح الفرد يعني بالتالي صلاح الأسرة، وصلاح الأسرة يؤدي حتماً إلى صلاح جانب من جوانب المجتمع. وقد يترافق تحرير الوطن مع إصلاح الحكومة، كما يترافق إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية مع أستاذية العالم.

خطة الإمام الشهيد :

ليس فيما بين أيدينا من النصوص نصاً يعرض فيه الإمام الشهيد خطة متكاملة، وإنما نجد ملامح خطته موزعة بين مختلف الرسائل والمقالات. ومن استقراء ذلك كله، نستنتج أن مراحل الخطة في ذهن الإمام الشهيد كانت أربعاً:

المرحلة الأولى: دعوة العامة

هدفها:

تربية الأمة، وتنبيه الشعب، وتغيير العرف العام، وتزكية النفوس، وتطهير الأرواح، وإذاعة مبادئ الحق والجهاد والعمل والفضيلة بين الناس.

وسائلها:

1-     إقامة الدروس والمحاضرات والخطب والمقالات والوفود والرحلات والمجامع والزيارات وغيرها، وهذه من وسائل التعريف.

2-     استخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد وضم بعضها إلى بعض، وهي عملية التكوين. ومن وسائلها الأسر والكتائب، وفرق الكشافة والجوالة والرياضة وغيرها.

3-     القيام بأعمال البر والخدمة العامة من بناء المساجد وعمارتها، وفتح المدارس والمكاتب والإشراف عليها، وإنشاء الأندية، والإصلاح بين الناس في القرى والبلدان، والتوسط بين الأغنياء الغافلين والفقراء المعوزين بتنظيم الإحسان وجمع الصدقات لتوزع في المواسم والأعياد، وإنشاء المؤسسات، والقيام بسائر الخدمات الإجتماعية. وهي من وسائل التنفيذ بمفهومه العام، وتعتبر جزءاً من عملية التعريف ذاتها.

نتيجتها:

إصلاح الفرد – ومن ثم الأسرة – في نطاق المستجيبين لها، ثم السير شوطاً في عملية إصلاح المجتمع.

مدتها:

استمرت هذه المرحلة عشر سنوات (1928 – 1938) من حياة الدعوة أصبح فيها للإخوان دار في كل مكان، ودعوة على كل لسان، وأكثر من ثلاثمائة شعبة تعمل للفكرة وتقود إلى الخير وتهدي إلى سواء السبيل. وأصبح كذلك في مصر شعور إسلامي قوي دفاق.

خصائصها:

تميزت هذه الفترة بالبعد عن الأحزاب، فلم تنضم الجماعة إلى حزب أو هيئة، ولم تخاصمها، ولم تتصل بأفرادها، وصبرت على الحرمان من كثير من العناصر الصالحة حتى ينكشف الغطاء ويدرك الناس بعض الحقائق المستورة عنهم فيعودوا إلى الخطة المثلى بعد التجربة، وقد امتلأت قلوبهم باليقين والإيمان.

المرحلة الثانية: دعوة الخاصة

هدفها:

إيصال الدعوة إلى المسؤولين من قادة البلد وزعمائه ووزرائه وحكامه وشيوخه ونوابه وأحزابه، ودعوتهم إلى مناهج الجماعة، ووضع برنامجها بين أيديهم، ومطالبتهم بأن يسيروا بمصر في طريق الإسلام في جرأة لا تردد معها، وفي وضوح لا لبس فيه، ومن غير مواربة أو مداورة. فإن أجابوا الدعوة وسلكوا السبيل إلى الغاية آزرناهم، وإن لجأوا إلى المواربة والروغان كنا حرباً على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام ولا تسير في الطريق لاستعادة حكم الإسلام ومجده.

وسائلها:

هي وسائل الدعوة الأولى – لأن دعوة العامة لا تتوقف – وهي:

1-     نشر الدعوة للتبليغ (ومنها أعمال البر والخدمة العامة)

2-     تربية النفوس على هذه التعاليم عملياً للتكوين

إضافة إلى وسائل جديدة هي:

3-     وضع المناهج الصالحة في شؤون الحياة للتوجيه

4-     التقدم إلى الأمة والهيئات النيابية والتنفيذية والدولية للتنفيذ.

أمثلة:

من أمثلة هذا النشاط:

1-     تأليف لجان دستورية وقانونية وغيرها لدراسة النظم القائمة، والموازنة بينها وبين النظم الإسلامية، وبيان نواحي الخلاف معها، ومطالبة الحكومة بتعديل الأنظمة القائمة حتى تتفق مع الإسلام.

2-     إعداد برامج متكاملة للإصلاح ورفعها إلى المسؤولين.

3-     استغلال كافة المناسبات والقضايا الإسلامية والوطنية، وبيان موقف الجماعة منها، ورفع الرسائل إلى أولي الأمر بهذا الشأن، والمساهمة العملية في الإصلاح حيث تتمكن وسائل الجماعة من ذلك، ومواجهة كافة الحركات الهدامة بالقول والفعل، ومن ذلك:

‌أ-        مواجهة حركات التبشير عملياً ورفع رسالة إلى الملك فؤاد بخصوصها.

‌ب-     قضية مسجد البرلمان ورفع رسالة إلى رئيس الوزراء

‌ج-     تأليف اللجنة المركزية العامة لمساعدة فلسطين، وتوجيه الرسائل إلى المسؤولين.

‌د-       مذكرة إلى رئيس الوزراء بسبب تصريحه باقتفاء خطى أتاتورك.

‌ه-       رسالة إلى سفير بريطانيا بمناسبة وعد بلفور.

‌و-      مشاركة الإخوان في حفل تتويج الملك فاروق

‌ز-      مشروع قرش فلسطين

‌ح-     مذكرة إلى رئيس الحكومة بمناسبة إعلان الحرب العالمية الثانية مع رأي الجماعة في الموقف الدولي والإصلاح الداخلي.

‌ط-      استقبال رئيس الوزراء بعد عودته من مؤتمر فلسطين ورفع مذكرة بمطالب الجماعة.

4-     محاولة الدخول إلى مجلس النواب كمنبر دعوي يوصل صوت الجماعة إلى كافة الأندية مع ما توفره الحملة الانتخابية من إمكانية تكثيف العمل الدعوي العام:

أ‌-        ترشيح المرشد العام لمجلس النواب عام 1942 ومنعه

ب‌-     ترشيح المرشد العام لمجلس النواب عام 1944 وتزوير الانتخابات

مدتها:

أعلن الإمام الشهيد عن الانتقال إلى هذه المرحلة في افتتاحية العدد الأول من مجلة النذير في أيار 1938. ولا يمكننا أن نعتبر محاولتي الترشيح لمجلس النواب عام 1942 و 1944 انتقالاً إلى المرحلة الثالثة، فذلك لو كان انتقالاً لما تنازل الإمام الشهيد عن ترشيحه عام 1942، فضلاً عن أن مقال الإمام الشهيد الذي ظهر في مجلة الإخوان المسلمين في عددها الصادر في 4/11/1944 بعنوان لماذا يشترك الإخوان في انتخابات مجلس النواب لا يوحي على الاطلاق بأن الحركة على أبواب مرحلة جديدة، إلا أننا يمكننا أن نعتبر دخول الإخوان حرب فلسطين عام 1948 مؤشراً واضحاً على الانتقال إلى المرحلة الثالثة. وعليه فإن المرحلة الثانية استمرت عشر سنوات (1938 – 1948).

خصائصها:

تميزت هذه المرحلة بجملة خصائص نذكر منها:

1-     المفاصلة التنظيمية: ذلك أن لكل مرحلة من مراحل العمل أهدافها ووسائلها، ويترتب على ذلك تبعات معينة، مما يقتضي مواصفات خاصة في رجال الدعوة. وقد يوجد أشخاص يمكن الاستفادة منهم في مرحلة معينة، بل قد يتصدرون مواقع قيادية في تلك المرحلة، ولكنهم ليسوا أهلاً للمرحلة التالية، فلا يجوز أن يبقى هؤلاء عبئاً على الحركة، ولكن لا يجوز كذلك أن يغمطوا فضل سبقهم وجهادهم. لهذا فقد اتبع الإمام الشهيد في صيف 1938 في القاهرة أسلوب شرح متطلبات المرحلة وتخيير الإخوة في متابعة السير، والموقع الذي يختاره كل إنسان لنفسه، فكانت فكرة لجنة الأربعين. وبالانتقال عملياً إلى هذه المرحلة وجد البعض نفسه عاجزاً عن متابعة المسير فتنحى.

2-     دعوة الأحزاب: أصبح موقف الجماعة في هذه المرحلة التوجه إلى جميع العاملين في الأحزاب إلى ترك أحزابهم والانضمام إلى الجماعة.

3-     المحنة: بعد أن كانت العقبات التي واجهتها الجماعة في المرحلة السابقة لا تتجاوز الكيد الحقير، فقد كان توقع الإمام الشهيد أن دخول مرحلة دعوة الخاصة يرافقه مواجهة المحن القاسية. وتشتد المحنة كلما اشتد جهاد الجماعة، إلا أن اشتداد المحنة لا بد أن يتبعه – حال ثبات – نصر بإذن الله.

المرحلة الثالثة: إقامة الدولة

وهي مرحلة لم تنتقل إليها الجماعة في عهد الإمام الشهيد بشكل كامل، وإن كان من إرهاصتاها محاولتا ترشيح الإمام الشهيد لمجلس النواب عامي 1942 و 1944. أما دخول حرب فلسطين، فرغم كونه مؤشراً واضحاً، إلا أن اغتيال الإمام الشهيد عقب الحرب لم يترك لنا فرصة لرؤية الإمام الشهيد يسير خطوات في هذه المرحلة. وقد حاول الإمام الهضيبي رحمه الله إكمال السير في الطريق نفسه، فكانت معارك القناة، ثم المساهمة في انقلاب 1952. إلا أن المحنة التي عصفت بتنظيم الإخوان أعادت عقارب الزمن في مصر إلى الوراء.

ومهما يكن الأمر، فإننا نستطيع أن نستخلص من رسائل الإمام الشهيد الملامح التالية لمرحلة إقامة الدولة:

هدفها:

تحرير الوطن من كل سلطان أجنبي غير إسلامي، سياسي أو اقتصادي أو روحي، وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، عن طريق النصح والارشاد، فإن أبت فالخلع والإبعاد.

وسائلها:

1-      النضال الدستوري: بأن يتقدم مرشحو الجماعة لتمثيل الأمة في الهيئات النيابية، فيرتفع  صوت الدعوة في الأندية الرسمية وتناصرها، وتنحاز إليها القوة التنفيذية.

2-      الثورة: الثورة أعنف مظاهر القوة، ولكنها ليست من وسائل الإخوان، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها.

المرحلة الرابعة : إعادة الخلافة

وهي مرحلة وضع الإمام الشهيد خطواتها بشكل نظري، فبين أنه عندما تقوم الحكومات الإسلامية في مختلف بلدان العالم الإسلامي، لا بد من حصول تعاون ثقافي واجتماعي واقتصادي بين الشعوب الإسلامية كلها. يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات، وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد. ثم يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية. حتى إذا تم ذلك للمسلمين، نتج عن هذا الاجتماع على الإمام الذي هو واسطة العقد، ومجمتع الشمل، ومهوى الأفئدة.

تعجل الخطوات:

اعتقد الإمام الشهيد أن الخطة التي وضعها أسلم طريق للوصول، وليس مخالفاً حدودها. وقد تكون طويلة، ولكن ليس هناك غيرها. وإنما يمكن تقصير الأمد بمضاعفة الجهد. وخير لمن أراد أن يستعجل الثمرة قبل أوانها أن ينصرف عن هذه الدعوة.

وقد عانى الإخوان من ظهور حركة متسرعة هي حركة مصر الفتاة، والتي لجأت فيما لجأت إليه تحطيم الحانات بالقوة، فزج ببعض شبابها في السجون. وكان رأي الإمام الشهيد أن هذا التحدي لم يكن قد حان وقته بعد، ولا بد من تخير الظرف المناسب أو استخدام منتهى الحكمة فيه، وإنفاذه بصورة أخف ضرراً وأبلغ في الدلالة على المقصد، كلفت نظر الحكومة إلى واجبها الإسلامي.

[5] مراتب العضوية

مقدمة :

بالرجوع إلى المصادر والمراجع التي بين أيدينا تتبين لنا جملة قواعد تنظيمية جرى اعتمادها أثناء سير الجماعة في عهد الإمام الشهيد. وهي تدل على اتجاه في التنظيم، وليست أصولاً لا يمكن الخروج على تفاصيلها، وإلا لكان يجب أن تكون معتمدة منذ اليوم الأول لنشأة الجماعة. ونذكر فيما يلي بعضاً منها.

درجات الانضمام :

نستخلص من قرار التكوين العملي الصادر عن المؤتمر الثالث ما يلي:

1-     هناك أكثر من درجة من درجات الانضمام للجماعة (أخ مساعد وأخ عامل وأخ مجاهد)، تتراوح بين شروط سهلة للدرجة الدنيا، (لا تزيد على استعداد للصلاح)، وشروط صعبة للدرجة العليا.

2-     بعض هذه الدرجات يمكن للأخ أن ينضم إليها بلا تدرج (درجة المساعد والمنتسب والعامل)، وبعضها تكون نتيجة تدرج (درجة المجاهد).

3-     هناك نوع من الارتباط بين هذه الدرجات وبين بعض المواقع الإدارية (موقع النقيب والنائب).

4-     بسبب كثرة الدرجات وسهولة شروط الدرجة الدنيا تتخذ إجراءات حاسمة بشأن كل أخ يتهاون في أداء واجبه.

الحسم :

تعطي لائحتا الزكاة والحج الصادرتان عن المؤتمر نفسه أمثلة عملية على الارتباط بين درجات العضوية وبين المواقع الإدارية، كما تبيان الاختلاف في الواجبات بين هذه الدرجات، وتعطيان أمثلة عملية على الحسم عند التهاون في أداء الواجبات.

مثال ذلك:

يرد الأخ العامل إلى مرتبة الأخ المنتسب في إحدى الحالات التالية:

1-     إذا قصر في الادخار للحج بغير عذر شرعي قاهر (لائحة الحج – المادة 6).

2-     إذا لم يؤد الزكاة (لائحة الزكاة – المادة 14).

3-     إذا أدى الزكاة بنفسه لغير صندوق الزكاة في الجماعة أكثر من مرة واحدة (لائحة الزكاة – المادة 14).

الأسر :

في المرحلة العلنية كان نظام الأسر يربط الإخوان العاملين، مما يمكن الإخوان من التداول في أي أمر ذي بال بطريقة تجعل التسرب أو التسمع أمراً مستحيلاً، كما كان للإخوان المجاهدين أسر خاصة بهم.

[6] نظام الأخوات

النساء والأطفال :

تعنى الحركة بالمرأة عنايتها بالرجل، كما تعنى بالطفولة عنايتها بالشباب.

حقوق المرأة :

تتمتع المرأة بالحقوق التالية:

1-     المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الحقوق الإنسانية.

2-     السماح للمرأة بالخروج إلى المجتمع الخارجي مكشوفة الوجه واليدين.

3-     السماح للمرأة بالمساهمة في النشاط الاجتماعي إذا كان العمل خيرياً والوسط كله نسائياً.

4-     حق التزين بالأصباغ التي يزول أثرها للزوج وحده مع حرمة جراحة التجميل (لغير ضرورة).

5-     حق التعليم في جميع مراحله، ويفضل التعليم الذي يتصل بوظيفتها كربة بيت.

6-     السماح بخروج الرجل مع زوجته للترويح عن النفس في المنتزهات العامة، و الذهاب لمشاهدة أفلام ثقافية أو مسرحيات تاريخية، فهذه الدور والمسارح ليس فيها حرج لذاتها، بل الحرج على الأفلام الرخيصة التي تعرض فيها.

7-     السماح للمرأة بالعمل في الوظائف إذا كانت هناك ضرورة تدعو لذلك.

8-     حق المرأة في تحديد النسل إذا كان ضاراً بصحتها أو لظروف اقتصادية.

9-     الاعتراف بحقوق المرأة السياسية.

قسم الأخوات :

الغاية من تكوين قسم الأخوات هي:

1-     بعث الروح الدينية وبث التعاليم الإسلامية الكفيلة بتكوين شخصيات من النساء مهذبة تستطيع الاضطلاع بما يناط بها من أعمال وواجبات.

2-     التعريف بالفضائل والآداب لمزكية للأنفس، والموجهة إلى الخير والكمال، وتعريفها بما لها من حقوق وما عليها من واجبات.

3-     إرشادهن إلى طرق التربية الإسلامية الصحيحة النافعة التي تضمن لأبنائهم النمو الجسمي والعقلي، وتجنبهم الانحراف الصحي والنقص العقلي.

4-     العمل على صبغ البيت بالصبغة الإسلامية، وبث تعاليم القرآن الكريم والسنة المطهرة، وسيرة أمهات المؤمنين وفضليات النساء، ممن حفل بهن التاريخ الإسلامي المجيد.

5-     محاربة البدع والخرافات والأباطيل والترهات والأفكار الخاطئة والعادات السيئة التي تنتشر وتروج بينهن.

6-     نشر الثقافة العامة والمعارف التي تنير عقولهن وتوسع مداركهن.

7-     الاهتمام بالشؤون المنزلية لتجعل من البيت مكاناً سعيداً يضم أسرة هانئة على أساس فاضل سليم.

8-     المساهمة في المشروعات الاجتماعية النافعة بالقدر الذي يتناسب مع ظروفهن وجهودهن وفي محيطهن، كالمستوصفات ودور الطفولة ورعاية اليتامى، وأندية الصبيان، والمدارس، وتنظيم مساعدة الأسر الفقيرة.

9-     المعاونة في حدود ظروف الأخوات وجهودهن في تحقيق البرنامج الاصلاحي الأساسي لهيئة الإخوان المسلمين العامة.

[7] السياسة التنظيمية

مواصفات الفرد :

الخوف من الله تعالى واحترام النظام وحسن الطاعة أساس صلاحية الأخ للعمل الجماعي. ولا بد من التنبيه على بعض الجزئيات:

1-     الأخ الذي له أساليب خاصة به، وينظر إلى القيادة نظرة أقران، ولا يصغي لآرائها إلا قليلاً، فإن الاعتماد عليه مخاطرة مهما بلغ من الصلاح، لأنه حينئذ يغري الجماعة بصلاحه ويفرقها بخلافه.

2-     لا ينفع في بناء الجماعة إلا ما بنت القيادة بنفسها، أو بجهود الإخوان الذين يرون للقيادة معهم شركة في التهذيب والتعليم. ولهذا، فكل فرع أنشئ بغير أسلوب القيادة لا ينفع كثيراً.

وحدة العمل الإسلامي :

ومع أن توحيد الهيئات الإسلامية أمل كبير وأمنية عزيزة يتمناها كل محب للإصلاح، فإن هذه الخطوة ينبغي أن لا تقدم عليها الجماعة إلا بشروط. ولعل من مقاييس سلامة هذا التوحيد أن تقبل هيئة على الانضمام إلى الجماعة من غير ضغط من أي ظرف، اللهم إلا قناعة العاملين في الهيئة بضرورة التوحيد وبسلامة خط الجماعة، ومن أمثلة ذلك انضمام جمعية الحضارة الإسلامية إلى حركة الإخوان. أما إذا اضطرت هيئة ما إلى الانضمام إلى الجماعة لعجزها عن إكمال سيرها، كما كان شأن هيئة مصر الفتاة، فهذا الانضمام لا نفع فيه، خصوصاً إذا كان كثير من أعضاء الهيئة لا يلتقون مع فكرة الإخوان.

المفاصلة التنظيمية :

للجماعة كلما انتقلت إلى مرحلة جديدة من مراحل العمل أن تعيد تصنيف إخوانها، وأن تطلب القيادة من القادر على متابعة المسير أن يتقدم، وتطلب من غير القادر أن يتأخر.

معالجة الأخطاء :

عندما يتورط بعض الأخوان في معارضة للقيادة وخروج على الأصول المتبعة بدافع من الإخلاص وحسن القصد، ولكنهم يخطئون الطريق، فإن واجب القيادة حسن الظن بهم، وتقدير سابقتهم في الدعوة وخدمتهم إياها، وتضحيتهم في سبيلها، فتحرص على إخوتهم وسلامة نفوسهم، ولا تؤاخذهم بقسوة، أو تعاجلهم العقوبة، أ, تباعد بينهم وبين إخوانهم بإقصاء أو فصل، وإنما تحاول معالجة الأمر بالتي هي خير، فإن عادوا إلى الجادة فبها ونعمت، وإن أبوا إلا التمرد فإن القيادة لا بد أن تفصلهم.

أما عندما يكون هناك تآمر واضح وخسة ومكر، فليس من الخير على الاطلاق بقاء أمثال تلك العناصر مع الجماعة. إلا أنه لا ينبغي للجماعة أن تشهر بالذين قصلتهم، فلعله يكون أصلح لها ولهم وللإسلام أن يعملوا من خارجها، واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.

التفرغ :

التفرغ للعمل مبدأ صحيح يعمل به عند الحاجة إليه، ولكن ينبغي على الإخوة أن لا يجعلوا الجماعة متكاً لحل مشاكلهم الخاصة، فلأن يعطي أحدهم الدعوة خير له من أن يأخذ منها.

الاشتراك المالي :

الأصل في الاشتراك المالي في الجماعة أنه تطوعي.

[8] السياسة التربوية

مقدمة :

تهدف السياسة التربوية للجماعة إلى زرع مبادئها في نفوس الإخوان. ومن المبادئ الأساسية الضرورية عند بدء التربية:

1-     أن الإسلام معنى شامل ينتظم شؤون الحياة جميعاً، ويفتي في كل شأن منها، ويضع له نظاماً محكماً دقيقاً، ولا يقف مكتوفاً أمام المشكلات الحيوية والنظم التي لا بد منها لإصلاح الناس.

2-     أن مهمتنا سيادة الدنيا وإرشاد الإنسانسة كلها إلى نظم الإسلام الصالحة، وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس.

3-     أننا نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا.

4-     أن هذه الدعوة لا يصلح لها إلا من حاطها من كل جوانبها، ووهب لها ما تكلفه إياه من نفسه وماله ووقته وصحته.

التوازن في التربية :

تعمل التربية الإخوانية على إنشاء جيل يحقق معنى رهبان في الليل فرسان في النهار. لهذا ترى الاخ المسلم في المحراب خاشعاً متبتلاً يبكي ويتذلل، وبعد ذلك يكون هو بعينه واعظاً مدرساً يقرع الآذان بزواجر الوعظ، وبعد قليل تراه نفسه رياضياً أنيقاً يرمي الكرة أو يدرب على العدو أو يمارس السباحة، وبعد فترة يكون هو بعينه في متجره أو معمله يزاول صناعته في أمانة وفي إخلاص.

التربية العامة :

لا ينبغي أن تكون تربيتنا للإخوان على أساس طريق – أو مذهب – خاص، لأسباب أهمها:

1-     اعتماد طريق – أو مذهب – خاص يؤدي إلى خصومة مع أبناء الطرق والمذاهب الأخرى.

2-     حصر الدعوة في طريق – أو مذهب – خاص يجعلها محصورة في نفر من المسلمين.

3-     حصر الدعوة في طريق – أو مذهب – خاص يجعلها وقفاً على ناحية واحدة من نواحي الإصلاح الإسلامي.

إنما يجب أن تكون دعوتنا دعوة عامة قوامها العلم والتربية والجهاد، وهي أركان الدعوة الإسلامية الجامعة. ومن أراد بعد ذلك تربية خاصة، فهو وما يختار لنفسه. إنما ينبغي أن يكون ذلك بإذن القيادة.

العقيدة :

تبنى العقيدة الصحيحة على أساس آيات الكتاب الجكيم، وأحاديث الرسول r وسير الصالحين، ومسالك الموقنين، من غير التفات إلى نظريات فلسفية، أو أقيسة منطقية، وإنما من خلال لفت الأنظار إلى عظمة الباري في كونه، وإلى جلال صفاته بالنظر إلى مخلوقاته، والتذكير بالآخرة في أسلوب وعظي، بطريقة لا تعدو جلال القرآن الكريم في هذه المعاني كلها. وتجدر الإشارة إلى أنه لا ينبغي هدم عقيدة فاسدة إلا بعد بناء عقيدة صحيحة.

كذلك ينبغي تدريس العقيدة للإخوان على أساس مذهب السلف في السكوت عن المتشابهات، وتفويض معناها إلى الله تعالى. إلا أن بعض القضايا التي أثارها السلفيون وأدخلوها في العقيدة هي في نظرنا من الفروع وليست من أصول الدين.

إلى جانب هذا، فإن للإخوان عقيدة خاصة تسمى عقيدة الإخوان المسلمين، تلخص فهمهم للإسلام، لا بد من دراستها والعمل بمقتضاها.

القرآن الكريم :

القرآن الكريم محور التربية الإخوانية. ولهذا يحرص الإخوان على الإكثار من تلاوته، والتعبد بقراءته، والتقرب إلى الله تبارك وتعالى به.

وإذا نظرنا إلى واقع الأمة فإننا نرى أن الناس قد وقعوا في جهالة بكتاب الله، تجعل بينهم وبين استنباط الأحكام منه حجاباً كثيفاً وسداً منيعاً، مما اضطرهم إلى القناعة بالملخصات، والرضا بالتعليقات، وقصر هممهم عن السمو إلى ما هو أرقى من ذلك من الغايات.

وإذا أخذنا كتب التفسير بعين الاعتبار، فإننا نجد أن قسماً كبيراً من التفاسير القديمة كان متأثراً بقضايا الفلسفة، وكثيراً ما حاول البعض استنباط ما يوافق مذهبه في العقيدة أو الفروع، وكثير من كتب التفسير ما كانت أكثر من ردود على كتب سابقة. لهذا يجب أن تعتبر أكثر تلك الكتب خاصة بالعصر الذي وجدت فيه، من حيث تلونها بلونه.

لهذا كله يرى الإخوان أنه ينبغي أن يفهم القرآن الكريم طبقاً لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف، مع الإلمام بالسيرة النبوية المطهرة، والعناية بنوع خاص بأسباب النزول، وارتباطها بمواضعها من هذه السيرة. وتكون العودة إلى التفاسير التقليدية بعد ذلك للوقوف على معنى لفظ دقيق، أ, فهم تركيب خفي، أو استزادة من ثقافة معينة تعين على الفهم الصحيح لكتاب الله، فهي مساعدات للفهم.

الفقه :

إن دعوة الإخوان دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة، ولا تنحاز إلى رأي عرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة، وتعتقد أن الخلاف في فروع الدين مستحيل، بل هو يتنافى مع طبيعة الدين. ولا يرتفع الخلاف إلا بوجود الخليفة حيث يعمل برأيه، ورأي نائبه، فيما لا نص فيه، وقيما يحتمل وجوها عدة، وفي المصالح المرسلة، ما لم يصطدم ذلك الرأي بقاعدة شرعية.

وترى الجماعة أن من عوامل تحلل كيان الدولة الإسلامية إهمال كتاب الله وسنة الرسول r، والجمود والتعصب للآراء والأقوال، والولع بالجدل والمناظرات والمراء.

كما ترى الجماعة أن أساس التعاليم الإسلامية ومعينها الصافي هو كتاب الله تبارك وتعالى، وسنة رسوله r، وأن كثيراً من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها، والشعوب التي عاصرتها، ولهذا يجب أن تستقى النظم الإسلامية التي تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي، معين السهولة الأولى، وأ، نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم، وأن نقف عند هذه الحدود الربانية، حتى لا نقيد أنفسنا بغير ما يقيدنا به الله، ولا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معه، والإسلام دين البشرية جميعاً. ونحن بهذا المعنى دعوة سلفية.

لهذا كله ينبغي أن يبدأ بتدريس الفقه بطريقة عملية مع الترغيب والترهيب، وربط ذلك بالكتاب والسنة، من غير تفريع للمسائل، أو لجوء إلى المصطلحات الغامضة. وعندما تتبنى الجماعة تدريس الفقه لأعضائها فإنها لا تعمد إلى اختيار مذهب معين. فلقد كان المؤتمر الخامس قد صدر عنه قرار بتأليف لجنة علمية لوضع كتاب مختصر مفيد في العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات الإسلامية، مدعم بالأدلة من الكتاب والسنة، بعيد عن مناحي الخلاف وتشعب الآراء، حتى يكون مرجعاً للإخوان ولمن شاء.

ومع ذلك فإن من حق أي أخ – بل أي مسلم – أن يدرس لنفسه ما شاء من المذاهب، وأن يلتزم بما شاء، مع توجيهه إلى ضرورة أن تكون دراسته مقرونة بدراسة الأدلة، وأن يترك ما هو عليه إلى ما ترجح عنده قوة دليله إذا اطمأن إلى إخلاص من يرشده وكفايته، مقيداً أننا طريقة سنية، بمعنى حمل أنفسنا على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات.

التصوف :

صوفية الجماعة تعني أننا نعلم أن أساس الخير طهارة النفس ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير. إلا أننا نرى أن تجاوز السنة في التربية إلى مبالغات لم ترد، وتحليل الأذواق والمواجيد، ومزج ذلك كله بعلوم الفلسفة والمنطق، ليس من الدين في شيء.

ومع إيمان الجماعة بجواز حصول الكرامات بشرائطها الشرعية، فإن أعظم كرامة يكرم بها عبد هي التوفيق لنشر دعوة الإسلام، والغيرة على محارم الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وتعتقد الجماعة أن الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية، وأن رؤية الرسول r في اليقظة أو المنام لا يقطع بحقيقتها إلا للصحابة الكرام الذين رأوه في حياته ويعلمون صورته. وعليه يكون اعتبار هذه الالهامات عندما لا تصادم أحكام الدين ونصوصه من المباحات، أما اعتبارها عند التصادم فمعصية.

وترى الجماعة أن إهمال القرآن جملة، والاكتفاء بالأوراد والأحزاب والوظائف والصلوات التي وضعها الشيوخ ترك لكتاب الله وإهمال لحقوقه، ولو كانت الأوراد لا تخالف ظاهر الشريعة. بل ينبغي أولاً الاهتمام بكتاب الله، وبعد ذلك يمكن للإنسان أن يذكر الله بما شاء من الصيغ التي تنطبق على أحكام الدين. ولهذا فإن الذكر الإخواني أكثره آيات وأحاديث، وهو جانب على الإخوان إلزام أنفسهم به.

أولويات المنهج التربوي :

يركز  المنهج التربوي على القضايا التالية:

1-     تلاوة القرآن والاستماع إليه وفهمه، على أن يقرأ القارئ بتدبر وخشوع، وأ، يستلهم الرشد والسداد، وأن يجمع شوارد فكره حين التلاوة، مع حفظ ما يمكن حفظه.

2-     الإكثار من القراءة في حديث رسول الله r، وحفظ بعض الأحاديث.

3-     دراسة السيرة وتاريخ السلف.

4-     دراسة رسالة في أصول العقائد ورسالة في فروع الفقه.

5-     الإكثار من المطالعة في رسائل الإخوان وجرائدهم ومجلاتهم ونحوها – كالكتب الدعوية والتربوية وما يتناول حاضر المسلمين ومشاكلهم-.

نتائج المنهج التربوي :

يهدف هذا المنهج إلى تحقيق أركان الدعوة الجامعة، والتي هي العم والتربية والجهاد.

1-     بغير العلم بكتاب الله وتاريخ الدعوة الإسلامية وواقع الحياة، فإن الحماس يؤدي بصاحبه إلى النحراف والاصطدام والتحطم.

2-     بغير التربية على منهج الدعوة في الحب، والامتزاج الروحي، والصفاء، والتنافس في البذل، والعمل، والتضحية، واحتمال المشاق في سبيل الدعوة، فإن الجاه والمال يغريان العامل بسلوك طريق الدس والوقيعة، ولو كان شيخاً أريباً أدبياً عالماً فقيهاً لبقاً ذلق اللسان واضح البيان. غير أن هذه التربية لا تتم بالكلام النظري، وإنما بالممارسات العملية.

3-     بغير الجهاد يصبح الإيمان مخدراً نائماً في النفوس، لا ينزل على حكمه، ولا يعمل بمقتضاه. فإذا غفل الإنسان عن فكرته، فهو لا يفكر في العمل لها، ولا يحدث نفسه بأن يجاهد أضعف الجهاد في سبيلها. بل إنه قد يبالغ في هذه الغفلة وهذا النسيان، حتى يعمل على ضدها وهو يشعر أو لا يشعر. والجهاد أن يدرك الإنسان أن لب دعوته فكرة وعقيدة يقذف بها نفوس الناس ليتربى عليها الرأي العام، وتؤمن بها القلوب، وتجتمع عليها الأرواح: تلك هي العمل للإسلام والعمل به في كل نواحي الحياة.

بنتيجة هذه التربية، يشعر الإنسان أنه روح جديد يسري في قلب الأمة، فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داو يعلو مردداً دعوة الرسول r. وعليه أن يدرك منزلته هذه، فلا يصغر في نفسه فيقيس نفسه بغيره، أو يسلك في دعوته سبيلاً غير سبيل المؤمنين، أو يوازن بين دعوته التي تتخذ نورها من نور الله، ومنهاجها من سنة رسول الله r، بغيرها من الدعوات التي تخلقها الضرورات، وتذهب بها الحوادث والأيام.

[9] السياسة الدعوية

مقدمة :

ليست المساجد بالضرورة هي الأماكن الأكثر مناسبة لتبليغ الدعوة للناس. فقد يحصل أن يكون المسجد ساحة صراع بين فرق ومذاهب، حتى أن المتكلم ليجد نفسه في مواجهة جمهور لا يهم كل فرد فيه أن يعلم عن المتكلم أكثر من انتمائه الحزبي أو المذهبي. فينبغي والحالة هذه الابتعاد عن الحديث للناس في المساجد. وقد تكون المساجد خلواً إلا من الشيوخ الفانين، والداعية يريد مخاطبة الشباب فلا يجدهم إلا في المقاهي. ويخطئ من يظن أن جمهور المقاهي أبعد الناس عن الاستعداد لسماع العظات، بل قد يكون هذا الجمهور أكثر الناس تجاوباً.

وليس الداعية بالضرورة هو الإنسان الذي جمع قسماً وافياً من العلوم الشرعية حتى أصبح قادراً على الفتيا، بل كل إنسان فهم الدعوة وتحمس لها يمكن أن يكون داعية في محيطه، وإن كان لا يحسن أكثر من مبادئ القراءة والكتابة.

المادة الدعوية :

تختلف المادة الدعوية التي يقدمها الأخ للناس باختلاف حالة المدعوين. فبالنسبة لجمهور المقاهي ومن في حكمهم، فإن الداعية يقدم له وعظاً عاماً: تذكيراً بالله واليوم الآخر، وترغيباً وترهيباً، فلا يعرض لتجريح أو تعنيف، ولكنه يقنع بأن يدع شيئاً من التأثير في هذه النفوس وكفى. وعليه أن ينحرى الأسلوب فيجعله سهلاً جذاباً مشوقاً، خليطاً بين العامية أحياناً، ويمزجه بالمحسنات والأمثال والحكايات، ويحاول أن يجعله خطابياً مؤثراً في كثير من الأحيان. وعليه أن يتحايل دائماً على جذب هذه النفوس، باعثاً الرغبة والشوق إلى ما يقول. وهو بعد هذا لا يطيل حتى لا يمل، ولكنه لا يزيد في الدرس على عشر دقائق، فإذا أطال فربع ساعة، مع الحرص على أن يوفي في هذا الوقت معنى خاصاً يقصد إليه، ويتركه وافياً واضحاً في نفوس السامعين. وعليه حين يعرض لآية أو حديث أن يتخير تخيراً مناسباً، ويقرأ قراءة خاشعة، ويتجنب التفاسير الاصطلاحية، والتعليقات الفنية، بل يكتفي بالمعنى الإجمالي يوضحه، والاستشهاد المقصود يشرحه.

بالنسبة للعوام حديثي العهد بالتعبد، فعلى الداعية أن يسلك بهم مسلكاً عملياً بحتاً، فلا يعمد إلى العبارات يلقيها، أو الأحكام المجردة يرددها، بل إذا أراد تعليمهم الوضوء مثلاً عمد إلى أخذهم إلى الحنفيات تواً، فصفهم صفاً، ووقف فيهم موقف المرشد إلى الأعمال عملاً عملاً، حتى يتموا وضوءهم. وإذا أراد تعليمهم الصلاة، شرح أعمالها مطالباً إياهم بأدائها عملياً أمامه، ذاكراً ما ورد في فضلها، مخوفاً من تركها. وعليه كذلك أن يستظهر معهم الفاتحة، ويصحح لهم ما يحفظونه من قصار السور، وأن يتجنب في تعليمه التعقيدات والتفريعات.

وبالنسبة لجمهور المسجد فليس الغرض من الحديث إليه إعطاءه دراسة معمقة في العلوم الإسلامية، فذلك كجاله غير هذا. ونما القصد تعليم أصول الدين وقواعده، والعمل بأخلاقه وفضائله العامة وإرشاداته المجمع عليها، وتأدية الفرائض والسنن. فعلى الداعية أن يتجنب الخلافيات التي لا جدوى من البحث فيها. ويحسن به أثناء تدريسه عدم التضييق هلى رأي واحد إذا كان في الدين فسحة، بل يبين أقوال المجتهدين إذا كانت المسألة تحتمل وجوهاً عدة.

والحديث إلى الناس في المسجد لا يقتصر على الدروس والخطب، بل قد تريد الجماعة تبليغ فكرة محددة للناس، فيمكن أن يتم ذلك بكلمة موجزة قد لا تتجاوز دقيقتين، يلقيها أخ بعد صلاة الجمعة مثلاً أو أي وقت آخر.

أما بالنسبة للمثقفين – والطلاب خاصة – فإن المادة التي يجب أن تقدم لهم هي رأي الجماعة في كل ما يجري على الساحة ويكون موضه\ع الاهتمام الناس، وسط آراء الهيئات والأحزاب المختلفة، ومقارعة الحجة بالحجة.

ونشير في ختام هذه الفقرة إلى أنه على الأخ الداعية أن يدرس البيئة التي يتحرك فيها، وأ، يحسن تحضير الموضوع الذي ينبغي الحديث فيه.

مع العلماء :

على الأخ الداعية أن يسلك مع العلماء مسلك الصداقة والتوقير والإجلال الكامل، ويحرص على أن لا يتقدم أحداً منهم في درس أو محاضرة أو خطبة، وإذا كان يدرس وقدم أحدهم تنحى له وقدمه للناس، فإن لهذا الأسلوب أثره في نفوسهم. وإذا أراد محاورة العلماء، فعليه أن يحاورهم في جلسات خاصة، لا أمام العوام.

مع السلفيين :

لا ينبغي مناقشة السلفيين في تفاصيل العقيدة وتوصيف البدعو، وإنما ينبغي أن نبين لهم أن الانشغال بقضية الإسلام العالمية يقدم على هذه القضايا الفرعية.

مع الصوفيين :

على الأخ الداعية أن يتأدب مع شيوخ الطرق بأدب الطريق ويخاطبهم بلسانها، ثم إذا خلا بهم شرح لهم حال المسلمين وجهلهم بأولويات دينهم، وتفكك رابطتهم، وغفلتهم عن مصالهم الدينية والدنيوية، ويذكرهم بالتبعة الملقاة على كاهلهم لاتباعهم الذين وثقوا بهم وأسلموهم قيادهم ليدلوهم على الله ويرشدوهم إلى الخير، ثم يطلب منهم أن يوجهوا كل جهودهم إلى إنارة أذهان الناس بالعلم والمعرفة، وإلى التربية الإسلامية الصحيحة، وجمع كلمتهم على عزة الإسلام والعمل على إعادة مجده.

هذا ما يخص المخلصين منهم. أما المشايخ الذين يتخذون الصوفية مرتزقاً، ووسيلة إلى الكسب المادي، وسبيلاً إلى استغلال جهل المسلمين وسذاجتهم، فلا بد من مواجهتهم بالحكمة، وحماية الناس من أن يكونوا فريسة لدجالين يتخذون الدين وسبلة لإضلال الناس وابتزاز أموالهم.

وإذا أمكن بذل شيء من الجهد في إصلاح الحركات الصوفية وتنقية ما فيها من شوائب، فذلك أمر مطلوب وميسور، إذا وجد من العلماء من يمكنه التفرغ له، لأن أتباع هذه الطرق من أكثر الناس استعداداً للصلاح.

مع الهيئات الإسلامية :

موقفنا من الهيئات الإسلامية عامة أننا نتمنى لها الخير جميعاً وندعو لها بالتوفيق. وأن خير طريق نسلكها ألا يشغلنا الالتفات إلى غيرنا عن الالتفات إلى أنفسنا. فأمتنا محتاجة إلى جنود وجهاد، والوقت لا يتسع لنتطلع إلى غيرنا ونشتغل به، فكل في ميدانه والله مع المحسنين.

على أننا نحب أن نتعاون مع هذه الهيئات ونحاول جاهدين أن نقرب بين وجهات النظر، ونوفق بين مختلف الفكر. ولا يباعد بيننا رأي فقهي، أو خلاف مذهبي، بل نعمل على جمعها وتوحيدها حول الفكرة العامة.

وإذا كانت هناك حركة تشترك معنا في غايتها العامة، وهي العمل لما فيه إعزاز الإسلام وإسعاد المسلمين، وإنما تقع فروق بسيرة في أسلوب الدعوة وفي خطة القائمبن بها، فإننا لا نشعر أننا في ميدان منافسة، ولكن في ميدان تعاون قوي وثيق. ولا بأس أن نظهر وإياهم في كثير من القضايا الإسلامية العامة شيئاً واحداً وجماعة واحدة.

أما الحركات الإسلامية المتسرعة التي قد لا تتورع، انطلاقاً من تسرعها، عن توجيه التهم لنا، فإنا، وإن كنا لا نؤيدها، وننبه بالحسنى إلى مواقع الزلل، إلا أننا لا نحاربها، بل يسرنا أن يوفق كل عامل للخير إلى الخير، ولا نحب أن نخلط البناء بهدم، وفي ميدان الجهاد متسع للجميع.

الإشاعات والأكاذيب :

تتعرض الدعوات في سيرها إلى كثير من الإشاعات والأكاذيب، يطلقها المغرضون الذين امتلأت  قلوبهم بالحسد والغيرة من العاملين للإسلام، فلا بد من اعتماد قاعدة مهمة في سير الدعوة العملي، وهي أن الإشاعة والأكاذيب لا يقضى عليها بالرد، ولا بإشاعة مثلها، ولكن يقضى عليها بعمل إيجابي نافع يستلفت الأنظار، ويستنطق الألسنة بالقول، فتحل الإشاعة الجديدة وهي حق، محل الإشاعة القديمة وهي باطل.

أما إذا كان الافتراء من علماء معروفين، ولهم أثرهم في نفوس الناس، فإنه لا بد من معالجة الأمر وإيقافهم عند حدهم ومنعهم من التقول، من غير استخدام العنف معهم.

[10] السياسة العامة

وسائل العصر :

الدعاة اليوم إلى شتى المذاهب غيرهم بالأمس، فهم مثقفون مجهزون مدربون أخصائيون – ولا سيما في البلاد الغربية – حيث تحتص بكل فكرة كتيبة مدربة توضح غامضها، وتكشف عن محاسنها، وتبتكر لها وسائل النشر وطرق الدعاية، وتتلمس لها في نفوس الناس أيسر السبل وأهونها وأقربها إلى الاقتناع والاتباع.

ووسائل الدعاية الآن عيرها بالأمس كذلك، فقد كانت دعاية الأمس كلمة تلقى في خطبة أو اجتماع، أ, كلمة تكتب في رسالة أو خطاب. أما الآن فنشرات ومجلات، وجرائد ورسالات، ومسارح وخبالات، وحاك ومذياع. وقد ذلل ذلك كله سبل الوصول إلى قلوب الناس جميعهم، نساءً ورجالاً، في بيوتهم ومتاجرهم ومصانعهم ومزارعهم.

لهذا كله كان من واجب أهل الدعوة أن يحسنوا تلك الوسائل جميعاً حتى يأتي عملهم بثمرته المطلوبة.

الإعلام :

لا بد من الموازنة بين إيثار الناحية العملية على الدعاية والإعلانات، مخافة أن تشوب هذه الأعمال شوائب الرياء فيسرع إليها التلف والفساد، وبين ما ورد في إذاعة الخير والأمر به والمسارعة إلى إعلانه ليتعدى نفسه.

والإخوان بطبعهم يؤثرون أن لا يراهم الناس إلا عاملين. فمن أقنعه العمل فيها، ومن لم يؤثر فيه العمل فلن يرشده القول. وهم ينفرون من اعتماد الناس على الدعايات الكاذبة والتهريج الذي ليس وراءه عمل. وهذه معان محمودة لا بأس باعتمادها. ولكن عندما تظهر الدعوة، ويتساءل عنها الناس، ويبدأ الفضوليون بتصويرها للغير من غير أن يعرفوا عنها قليلاً أو كثيراً من شؤونها، فقد وجب علينا أن نبين للناس غايتنا ووسيلتنا وحدود فكرتنا ومنهج أعمالنا، وأن نعلن هذه الأعمال على الناس، لا للباهاة بها، ولكن للإرشاد إلى ما فيها من نفع للأمة وخير لأبنائها. ومن تلك الوسائل النشرات الداخلية والخاصة، والصحف اليومية، مع الحرص على الصدق، فلا نتجاوز الحقيقة. وأن تكون الدعاية في حدود الأدب الكامل، والخلق الفاضل، والحرص التام على جمع القلوب وتأليف الأرواح، واستشعار الفضل في ذلك كله لله.

العمل الاجتماعي :

للإخوان غاية قريبة يبدو هدفها وتظهر ثمرتها لأول يوم ينضم فيه الفرد إلى الجماعة، أو تظهر الجماعة الإخوانية فيه في ميدان العمل العام. هذه الغاية هي المساهمة في الخير العام أياً كان لونه ونوعه، والخدمة الإجتماعية كلما سمحت بها الظروف.

يتصل الأخ بالإخوان فيكون مطالباً بتطهير نفسه، وتقويم مسلكه، وإعداد روحج وعقله وجسمه للجهاد الطويل الذي ينتظره في مستقبل الأيام، ثم هو مطالب بأن يشيع هذه الروح في أسرته وأصدقائه وبيئته.

وتتكون الجماعة من جماعات الإخوان، فتتخذ داراً وتعمل على معليم الأميين، وتلقين الناس أحكام الدين. وتقوم بالوعظ والإرشاد والإصلاح بين المتخاصمين، والتصدق على المحتاجين، وإقامة المنشآت النافعة من مدارس ومعاهد ومستوصفات ومساجد، في حدود مفدرتها، والظروف التي تحيط بها.

ولا يقتصر الإخوان في عملهم هذا على أنفسهم، بل يمكن في العمل الاجتماعي الاستعانة بعناصر من أهل الاختصاص، ولو لم يكن لهم حظ موفور من التهذيب الروحي، والتربية على منهج الدعوة، على أن لا يعني هذا أن تصبح لهم مكانة في المجتمع الإخواني ذاته.

كذلك يمكن الاستفادة من العمل الاجتماعي بأن تكون الدعوة أحياناً إليه في أول الأمر لا إلى الجماعة، ثم يكون العمل للجماعة في مرحلة لاحقة.

العمل الاقتصادي :

على الإخوان أن يساهموا في الأعمال الاقتصادية، وأن يكون لهم نشاط ملحوظ نافع في المشروعات الإسلامية المالية التي تحفظ على المسلمين ثروتهم، وتدربهم على خوض الميادين التي استأثر بها الأجانب واليهود ومن لا خلاق لهم، ولكن بشرطين:

1-     ألا نخلط بين نشاط الدعوة والنشاط الاقتصادي، لا في شكل ولا موضوع، فتكون عناوين الأعمال بغير اسم الاخوان – أي برخص مستقلة – وفي غير دورهم. ولها نظامها المادي والاقصادي الصرف الذي لا تشوبه شائبة من عاطفة أو تهاون، فالدعوة شيء، والمال الاقتصادي شيء آخر وإن كان كل منهما بعين الآخر، ولكن لكل لونه ووسائله وأساليبه. ولا بد من ملاحظة تطبيق قواعد الإسلام الحنيف.

2-     ألا تكون للقيادات الإسلامية صلة بهذه الأعمال من قريب أو بعيد، صيانة لموقعها ومجهودها، وأن يتحمل الإخوان الراغبون في القيام بالمشروع الاقتصادي التبعة كاملة.

الحكومة :

هناك جملة قواعد تحكم سياستنا مع الحكومة، وهو ما بدأ الإمام الشهيد بتنفيذه ابتداءً من مرحلة دعوة الخاصة.

1-     نحن لا نطلب الحكم لأنفسنا، فإن وجدنا من الأمة من يستعد لحمل هذا العبء وأداء الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني، فنحن جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم نجد، فالحكم من منهاجنا، وسنعمل لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أمر الله.

2-     نحن نتقدم إلى الحكومة ببرامج الاصلاح، ونخاطب الحكومة بلسانها وبالأدب الرسمي حرصاً على تأليف القلوب، كالعريضة التي رفعت إلى الملك فؤاد، والخطاب الذي رفع إلى رئيس الوزراء وإلى وزير الأشغال، وإلى رئيس الحكومة. وليس مبرر هذا الأدب وهذا التوجه إسلام المخاطبين، وإنما الإصلاح. وقد يقتضي الإصلاح التوجه بالخطاب إلى غير المسلمين، ومع هذا فلا بد من لزوم أدب المخاطبة دون تذلل، كالخطاب الذي وجه إلى بطريرك الأقباط وإلى سفير بريطانيا.

3-     ورغم كل هذه المجهودات، فإننا نعلم أن الذين تربوا في أحضان الأجانب ودانوا بفكرتهم، يصعب استحابتهم، ولا نتوقع أن يكون هناك أثر عملي لمطالبنا. فإن قوماً فقدوا الإسلام في أنفسهم وبيوتهم وشؤونهم الخاصة والعامة لأعجز من أن يفيضوه على غيرهم، ويتقدموا بدعوة سواهم إليه، وفاقد الشيء لا يعطيه. وإنما المطلوب الوصول إلى إنشاء الجيل الجديد الذي يتربى على الإسلام. ومع هذا فسنظل في موقف الناصح حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين.

4-     وقد تضطر الجماعة إلى القيام ببعض الأعمال لمساعدة الحكومة على الاستجابة لمطالبها، إذا أنست في العمل فائدة، ومن أمثله ذلك المشاركة في حفل تتويج الملك فاروق، ولقاء المرشد العام بالملك فاروق، واستقباله بجوالة الإخوان، وحفل تكريم النواب بسراي آل لطف الله، واسقبال رئيس الوزراء بعد عودته من مؤتمر فلسطين. وقد يتقدم الإخوان إلى الحكومة بعرض خدماتهم لوضع مطالبهم موضع التنفيذ. إلا أن هذه الأعمال كلها يجب أن تبقى محكومة بالقواعد الشرعية، فلا نشارك في منكر بحجة السياسة.

5-     وقد تتعرض الجماعة إلى الكيد من الحكومة بعد انطلاقها في العمل السياسي، فعلى الجماعة أن تلين مواقفها وتحاول أن تجعل الزوابع تمر بشيء من الانحاء يمس ظاهر كرامتها، إذا رأت القيادة فيه الخير الآجل.

الأحزاب :

كانت الأحزاب المصرية في رأي الإمام الشهيد أحزاباً مصنوعة أكثر منها حقيقية، وكان العامل في وجودها شخصياً أكثر منه وطنياً، فقد تكون الوفد المصري من الأمة كلها للمطالبة بالاستقلال على أساس المفاوضة، وتلك كانت مهمته. ثم تفرع منه حزب الأحرار الدستورية للخلاف في أسلوب المفاوضات. وقد انتهت المفاوضة بأساليبها ونظمها وقواعدها فانتهت مهمتها بذلك. وتكون حزب الشعب لايجاد نظام خاص ودستور خاص، وقد انتهى هذا الدستور وذلك النظام بأشكاله وأوضاعه فانتهت مهمته هو الآخر. وتكون حزب الاتحاد لموقف خاص بين السراي والأحزاب.

هذه الأحزاب تتفق جميعاً في عدة أمور: تتفق في أن كثيراً من رجالها قد عملوا على خدمة القضية السياسة المصرية، واشتركوا فعلاً في الجهاد في سبيلها وفي الوصول إلى ما وصلت إليه مصر من ثمرات هذا الجهاد الضئيلة أو الجليلة، فنحن في هذه الناحية لا نبخس هؤلاء الرجال حقهم. وتتفق كذلك في أن حزباً منها لم يحدد منهاجاً دقيقاً لما يريد من ضروب الإصلاح، ولم يضع هدفاً يرمي إليه. وهي لهذا لا تتفاوت في المناهج والأغراض والغايات. وتتفق كذلك في أنها لم تقنع بوجوب المناداة بالاصلاح الاجتماعي على قواعد الإسلام وتعاليم الإسلام، وظل أقطابها جميعاً يفهمون الإسلام على أنه ضروب من العبادات والروحانيات لا صلة لها بحياة الأمم والشعوب الاجتماعية والدنيوية. وتتفق بعد ذلك في أنها تعاقبت على حكم مصر فلم تأت بجديد، ولم ولم يجد الناس في ظل حكمها ما كانوا يأملون من تقدم مادي أو أدبي. ولقد كان لهذا أثره العملي، فقامت في مصر الحكومات غير الحزبية في أوج الظروف وأدق المواقف.

وإذاً فلم يكن هناك خلاف بين الأحزاب المصرية إلا في مظاهر شكلية وشؤون شخصية لا يهتم لها الإخوان المسلمون. وبناء على تلك الظروف الموضوعية ، فقد حدد الإمام الشهيد الموقف التالي: إن الإسلام، وهو دين الوحدة في كل شيء، وهو دين سلامة الصدور ونقاء القلوب والإخاء الصحيح والتعاون الصادق بين بني الإنسان جميعاً، فضلاً عن الأمة الواحدة والشعب الواحد، لا يقر نظام الحزبية ولا يرضاه ولا يوافق عليه. غير أن الجماعة لا تهاجم رجال الأحزاب لأنها في حاجة إلى الجهد الذي يبذل في الخصومة والكفاح السلبي، لتنفقه في عمل نافع وكفاح إيجابي. وتدع حسابهم للزمن، معتقدة أن البقاء دائماً للأصلح.

قضايا العالم الإسلامي :

الاهتمام بقضايا العالم الإسلامي جزء أساسي من عمل الجماعة وفكرها. فنحن بالأساس دعوة عالمية تنبه الإخوان إلى قضايا العالم الإسلامي، وتطرح هذه القضايا على الناس نظرياً وعملياً، هادفة إلى:

1-     إحاطة الناس علماً بالقضايا الإسلامية.

2-     إيقاظ الروح الإسلامية لدى الناس.

3-     إيجاد وعي لدى الشعب بأعدائه وأعداء الإسلام.

4-     إقامة الدليل المادي الملموس على تواطؤ الحكومات المحلية مع القوى المعادية.

5-     جمع المساعدات المالية والتبرعات من الناس، كأسلوب من أساليب التأثير في نفوس الناس، وربط قلوبهم وعقولهم بالقضية واختبار مدى تجاوبهم معها، إضافة إلى كونه جهاداً مالياً.

النخبوية والجماهيرية

ثوابت العمل الاسلامي في منهجية

الإمام الشهيد حسن البنا

[1]  مبادئ عامة

غاية الجماعة :
الرسالة التي تريد الجماعة إبلاغها للناس, وأن تفهمها الأمة الإسلامية حق الفهم, وأن تهب لإنقاذها في عزم ومضاء, هي أن مهمتنا سيادة الدنيا وإرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس.

هل نحن جماعة المسلمين :
إن الإختيار الفقهي لمؤسس الجماعة لم يكن النظر إليها باعتبارها جماعة المسامين المقصودة في الأحاديث, وإنما هي داعية بعون الله لتحقيق جماعة المسلمين, وعلى هذا:

1-           لا تقاس شروط العضوية على شروط الإسلا م

2-             لا تقاس شروط الفصل على شروط الردة.

3-             يمكن للجماعة أن تلزم أفرادها بأكثر مما يلزمها به الإسلام على وجه التفصيل, كالنظم الداخلية واللوائح مثلاً.

4-            الجماعة ليست مطالبة بالقيام بواجبات الخلافة كلها قبل إيجاد الخليفة, بل الواجب إيحاد الخليفة لتحقيق تلك الأمور.

5-            لا تقاس شروط  أمير الجماعة وواجباته على شروط أمير المؤمنين وواجباته.

ومع هذا الأختيار, فأن الجماعة تعتقد أن الدور الذي تقوم به واجب شرعاً, وأن المتخلف عن الانضمام لمثلها آثم, إلا أن يجحد الهدف , وهو تحكيم شرع الله, فيكون كافراً مرتداً.

ومع يقين الجماعة أن العمل مع غيرها لهذا الهدف يرفع الإثم عن المسلم , إلا أنها ترى أنها  الجماعة التي وقع عليها اختيار القدر لإنقاذ العالمين.

هل نحن دعوة خاصة أم عامة :
بناء على ما تقدم, ترى الجماعة أن دعوتها عامة لجميع الناس, وليست خاصة بصفوة معينة من المجتمع, فهي لا تتحرج في ضم المقصرين في الطاعات, المقبلين على بعض المعاصي الخسيسة, ما دامت تعرف منهم خوف الله واحترام النظام وحسن الطاعة, فهي تأمل تربيتهم بداخلها, ولكنها ترفض الملاحدة كما ترفض الصالحين الذين لا يحترمون النظام ولا يقدرون معنى الطاعة لعدم صلاحيتهم للعمل الجماعي. ومن مهمة الجماعة تحويل عناصرها إلى صفوة بين الناس, لأنه لا يصلح لهذه الدعوة إلا من حاطها من كل جوانبها, ووهب لها ما تكلفه إياه من نفسه وماله ووقته وصحته على تفاوت بين العناصر في استعدادهم وإمكاناتهم والتزامهم.

موقفنا من فرق المسلمين :
 ترى الجماعة أن الملمين على اختلاف فرقهم وطوائفهم أمة واحدة, وهي تسعى لتوحيدهم حول فهمها للإسلام كما ورد في الأصول العشرين.
 
موقفنا من غير المسلمين :
ترى الجماعة أن غير المسلمين نسالمهم ما سالمونا, ونحب لهم الخير ما كفوا عدوانهم عنا, ونعتقد أن بيننا وبينهم رابطة الدعوة, وعلينا أن ندعوهم إلى ما نحن فيه لأنه خير الإنسانية كلها, وأن نسلك إلى نجاح هذه الدعوة ما حدده لها الدين نفسه من سبل ووسائل, فمن اعتدى علينا منهم رددنا عدوانه بأفضل ما يرد به عدوان المعتدين.   
 
[2] السرية والعلنية

علنية الدعوة :
الأصل في دعوتنا - باعتبارها دعوة - أنها علنية. فنحن نحب أن نصارح الناس بغايتنا, وأن نجلي أمامهم منهاجنا, وأن نوجه إليهم دعوتنا, في غير لبس ولا غموض, أضواء من فلق الصبح, وأبين من غرة النهار. وهذا لا يقتصر على الدعوة إلى الإسلام بصورة مطلقة فحسب, وإنما يشمل الدعوة إلى الجماعة نفسها, فالباب ينبغي أن يكون مفتوحاً على مصراعيه لمن أراد أن يدخل إلى الجماعة أو يخرج منها, وأعمال الجماعة يجب أن تكون جلية لا خفاء بها ولا سر فيها, حتى بالنسبة إلى المدعوين أول الأمر, فإنهم يجب أن يعلموا أنهم مدعوون إلى جماعة معينة ذات أهداف واضحة.


سرية التنظيم :
غير أن هذا الأصل لا يعني أن تكشف الدعوة من أول يوم عن جميع  مراحل خططها مما ينبه الأعداء, بل يجب عدم التسرع في كشف أي أمر يثير عليها أعداءها قبل الأوان. 

في الظروف الاستثنائية :
وقد تمر بالبلاد ظروف استثنائية - كإعلان الأحكام العرفية مثلاً - فعلى الجماعة, إذا كانت غير مهيأة لتحمل نتائج المواجهة, أن تخفف مما من شأنه إثارة النظام عليها, وقد تضطر الجماعة للتوقف عن بعض ما كانت تمارسه في الأحوال العادية.

كذلك قد تمر بالبلاد ظروف صعبة جدا ًيستحيل معها العمل المعلن, فتلجأ الجماعة مضطرة إلى العمل السري, وهو يهدف إلى:

1-      حفظ أفراد الدعوة من التبدد.

2-      استمرار النشاط الدعوي للجماعة.

3-      إمداد الجماعة بعناصر جيدة.

ووسيلة ذلك نظام الأسر, حيث تعتبر كل أسرة صورة مصغرة عن الجماعة, وترتبط الأسر بعضها ببعض بتسلسل هرمي لتحقيق ما يلي:

1-      تتلقى الأسرة توجيهات القيادة عن طريق النقيب.

2-      تقوم كل أسرة بجميع النشاطات الدعوية المطلوبة من الجماعة مما يستلزم أن يكون لها صندوق مالي خاص.
3-      تقوم كل أسرة بإنشاء أسر جديدة بعدد أفرادها.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا النظام إنما استحدث لمواجهة حالة السرية التامة في العمل.
 

أحكام خاصة :
يمكن للجماعة في حالة العمل المعلن استخدام نظام الأسر ليغطي الجوانب التي لا يحسن الإعلان عنها, فتتم أمور كثيرة من خلال هذا النظام, كاستفتاء على قضية أو تبليغ قرار أو تحليل موقف.
كذلك يمكن اللجوء إلى سرية انتماء بعض الأشخاص للجماعة, لظروف تقدرها القيادة.

[3] الجهاد والقوة 

الجهاد :

الجهاد هو الفريضة الماضية إلى يوم القيامة, وأول مراتبه إنكار القلب وأعلاها القتال في سبيل الله, وبين ذلك جهاد اللسان والقلم واليد وكلمة الحق عند السلطان الجائر. ولا تحيا الدعوة إلا بالجهاد.

ومن مراتب الجهاد - مما هو دون القتال في سبيل الله - العاطفة الحية القوية التي تفيض حناناً إلى عز الإسلام ومجده, والتفكير الجدي في طريق النجاة وتلمس سبيل الخلاص, والنزول عن بعض الوقت وبعض المال وبعض مطالب النفس لخير الإسلام وبني المسلمين. ومن مراتبه الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, والنصح لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم, والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة, والتنكر لمن تنكر لدينه, ومقاطعة من عادى الله ورسوله, والعمل على إقامة ميزان العدل وإصلاح شؤون الخلق وإنصاف المظلوم والضرب على يد الظالم مهما كان مركزه وسلطانه, فمن لم يوفق إلى شيء من ذلك كله فحب المجاهدين والنصح لهم جهاد.

القوة :

القوة شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته, وأول درجة من درجات القوة، قوة العقيدة والإيمان, ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط, ثم بعد ذلك قوة الساعد والسلاح. ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعاُ. وإنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك.

استخدام القوة :

القوة لا تكون أول علاج وإنما آخر دواء, ومن الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة ونتائجها الضارة وما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف, ولا يصح أن يستخدم الإنسان القوة وليكن بعد ذلك ما يكون.

والجماعة لا تلجأ للقوة إلا مضطرة وإنما تستخدم القوة العملية حيث لا يجدي غيرها, وبعد أن تثق أنها استكملت عدة الإيمان والوحدة. وإذا استخدمت القوة فستكون الجماعة شريفة صريحة، تنذر أولاً، وتنتظر بعد ذلك، ثم تقدم في كرامة وعزة، وتتحمل كل نتائج هذا الموقف، ولا تلقي التبعة على غيرها، وهي واثقة عندئذ بنصر الله.

لماذا يقاتل المسلم :

فرض الله الجهاد على المسلمين لا أداة للعدوان ولا وسيلة للمطامع الشخصية ولكن حماية للدعوة وضماناً للسلم وأداء للرسالة الكبرى التي حمل عبئها المسلمون، رسالة هداية للناس إلى الحق والعدل، وأن الإسلام كما فرض القتال شاد بالسلام فقال تبارك وتعالى: }وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله{ (الأنفال)... كان المسلم يخرج للقتال وفي نفسه أمر واحد أن يجاهد لتكون كلمة الله هي العليا.


[4] مراحل العمل

مقدمة :

ذكر الإمام الشهيد أن من خصائص الدعوة التدرج في الخطوات، وحدد مراحل كل دعوة بثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج. وقال بأنه كثيراً ما تسير هذه المراحل الثلاث جنباً إلى جنب نظراً لوحدة الدعوة وقوة الارتباط بينها جميعاً. فالداعي يدعو، هو في الوقت نفسه يتخير ويربي، وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك، وأشار في رسالة المؤتمر الخامس إلى أن الخطوة التنفيذية لم تكن قد حصلت بعد، كما أشار في رسالة التعاليم إلى أن إقامة المنشآت النافعة من وسائل التعريف، وبين أن انضمام الأخ إلى كتيبة المجاهدين يجعله في مرحلة التكوين وبالقرب من مرحلة التنفيذ.

من هذه النصوص نستنتج أن التنفيذ بمفهومه العام قد يكون جزءاً من عملية التعريف (كأعمال الخدمة العامة) أو جزءاً من عملية التكوين (كتنظيم المخيمات)، أما التنفيذ بمفهومه الخاص، والذي هو إقامة الدولة وإعادة الخلافة، فهو مرحلة متأخرة.

كذلك حدد الإمام الشهيد مراتب العمل بأنها سبع:

1-     إصلاح الفرد

2-     إصلاح البيت

3-     إصلاح المجتمع (وهذه الثلاث من واجبات الفرد والجماعة)

4-     تحرير الوطن

5-     إصلاح الحكومة

6-     إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية (بتحرير أوطانها وتوحيدها وإعلان الخلافة).

7-     أستاذية العالم (وهذه الأربع من واجبات الجماعة كهيئة عاملة).

وذكرت هذه المراتب في أماكن أخرى أخرى بتجميع مختلف. وهذه المراتب ليست كلها منفصلة زمنياً عن بعضها البعض. فصلاح الفرد يعني بالتالي صلاح الأسرة، وصلاح الأسرة يؤدي حتماً إلى صلاح جانب من جوانب المجتمع. وقد يترافق تحرير الوطن مع إصلاح الحكومة، كما يترافق إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية مع أستاذية العالم.

خطة الإمام الشهيد :

ليس فيما بين أيدينا من النصوص نصاً يعرض فيه الإمام الشهيد خطة متكاملة، وإنما نجد ملامح خطته موزعة بين مختلف الرسائل والمقالات. ومن استقراء ذلك كله، نستنتج أن مراحل الخطة في ذهن الإمام الشهيد كانت أربعاً:

المرحلة الأولى: دعوة العامة

هدفها:

تربية الأمة، وتنبيه الشعب، وتغيير العرف العام، وتزكية النفوس، وتطهير الأرواح، وإذاعة مبادئ الحق والجهاد والعمل والفضيلة بين الناس.

وسائلها:

1-     إقامة الدروس والمحاضرات والخطب والمقالات والوفود والرحلات والمجامع والزيارات وغيرها، وهذه من وسائل التعريف.

2-     استخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد وضم بعضها إلى بعض، وهي عملية التكوين. ومن وسائلها الأسر والكتائب، وفرق الكشافة والجوالة والرياضة وغيرها.

3-     القيام بأعمال البر والخدمة العامة من بناء المساجد وعمارتها، وفتح المدارس والمكاتب والإشراف عليها، وإنشاء الأندية، والإصلاح بين الناس في القرى والبلدان، والتوسط بين الأغنياء الغافلين والفقراء المعوزين بتنظيم الإحسان وجمع الصدقات لتوزع في المواسم والأعياد، وإنشاء المؤسسات، والقيام بسائر الخدمات الإجتماعية. وهي من وسائل التنفيذ بمفهومه العام، وتعتبر جزءاً من عملية التعريف ذاتها.

نتيجتها:

إصلاح الفرد – ومن ثم الأسرة – في نطاق المستجيبين لها، ثم السير شوطاً في عملية إصلاح المجتمع.

مدتها:

استمرت هذه المرحلة عشر سنوات (1928 – 1938) من حياة الدعوة أصبح فيها للإخوان دار في كل مكان، ودعوة على كل لسان، وأكثر من ثلاثمائة شعبة تعمل للفكرة وتقود إلى الخير وتهدي إلى سواء السبيل. وأصبح كذلك في مصر شعور إسلامي قوي دفاق.

خصائصها:

تميزت هذه الفترة بالبعد عن الأحزاب، فلم تنضم الجماعة إلى حزب أو هيئة، ولم تخاصمها، ولم تتصل بأفرادها، وصبرت على الحرمان من كثير من العناصر الصالحة حتى ينكشف الغطاء ويدرك الناس بعض الحقائق المستورة عنهم فيعودوا إلى الخطة المثلى بعد التجربة، وقد امتلأت قلوبهم باليقين والإيمان.

المرحلة الثانية: دعوة الخاصة

هدفها:

إيصال الدعوة إلى المسؤولين من قادة البلد وزعمائه ووزرائه وحكامه وشيوخه ونوابه وأحزابه، ودعوتهم إلى مناهج الجماعة، ووضع برنامجها بين أيديهم، ومطالبتهم بأن يسيروا بمصر في طريق الإسلام في جرأة لا تردد معها، وفي وضوح لا لبس فيه، ومن غير مواربة أو مداورة. فإن أجابوا الدعوة وسلكوا السبيل إلى الغاية آزرناهم، وإن لجأوا إلى المواربة والروغان كنا حرباً على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام ولا تسير في الطريق لاستعادة حكم الإسلام ومجده.

وسائلها:

هي وسائل الدعوة الأولى – لأن دعوة العامة لا تتوقف – وهي:

1-     نشر الدعوة للتبليغ (ومنها أعمال البر والخدمة العامة)

2-     تربية النفوس على هذه التعاليم عملياً للتكوين

إضافة إلى وسائل جديدة هي:

3-     وضع المناهج الصالحة في شؤون الحياة للتوجيه

4-     التقدم إلى الأمة والهيئات النيابية والتنفيذية والدولية للتنفيذ.

أمثلة:

من أمثلة هذا النشاط:

1-     تأليف لجان دستورية وقانونية وغيرها لدراسة النظم القائمة، والموازنة بينها وبين النظم الإسلامية، وبيان نواحي الخلاف معها، ومطالبة الحكومة بتعديل الأنظمة القائمة حتى تتفق مع الإسلام.

2-     إعداد برامج متكاملة للإصلاح ورفعها إلى المسؤولين.

3-     استغلال كافة المناسبات والقضايا الإسلامية والوطنية، وبيان موقف الجماعة منها، ورفع الرسائل إلى أولي الأمر بهذا الشأن، والمساهمة العملية في الإصلاح حيث تتمكن وسائل الجماعة من ذلك، ومواجهة كافة الحركات الهدامة بالقول والفعل، ومن ذلك:

‌أ-        مواجهة حركات التبشير عملياً ورفع رسالة إلى الملك فؤاد بخصوصها.

‌ب-     قضية مسجد البرلمان ورفع رسالة إلى رئيس الوزراء

‌ج-     تأليف اللجنة المركزية العامة لمساعدة فلسطين، وتوجيه الرسائل إلى المسؤولين.

‌د-       مذكرة إلى رئيس الوزراء بسبب تصريحه باقتفاء خطى أتاتورك.

‌ه-       رسالة إلى سفير بريطانيا بمناسبة وعد بلفور.

‌و-      مشاركة الإخوان في حفل تتويج الملك فاروق

‌ز-      مشروع قرش فلسطين

‌ح-     مذكرة إلى رئيس الحكومة بمناسبة إعلان الحرب العالمية الثانية مع رأي الجماعة في الموقف الدولي والإصلاح الداخلي.

‌ط-      استقبال رئيس الوزراء بعد عودته من مؤتمر فلسطين ورفع مذكرة بمطالب الجماعة.

4-     محاولة الدخول إلى مجلس النواب كمنبر دعوي يوصل صوت الجماعة إلى كافة الأندية مع ما توفره الحملة الانتخابية من إمكانية تكثيف العمل الدعوي العام:

أ‌-        ترشيح المرشد العام لمجلس النواب عام 1942 ومنعه

ب‌-     ترشيح المرشد العام لمجلس النواب عام 1944 وتزوير الانتخابات

مدتها:

أعلن الإمام الشهيد عن الانتقال إلى هذه المرحلة في افتتاحية العدد الأول من مجلة النذير في أيار 1938. ولا يمكننا أن نعتبر محاولتي الترشيح لمجلس النواب عام 1942 و 1944 انتقالاً إلى المرحلة الثالثة، فذلك لو كان انتقالاً لما تنازل الإمام الشهيد عن ترشيحه عام 1942، فضلاً عن أن مقال الإمام الشهيد الذي ظهر في مجلة الإخوان المسلمين في عددها الصادر في 4/11/1944 بعنوان لماذا يشترك الإخوان في انتخابات مجلس النواب لا يوحي على الاطلاق بأن الحركة على أبواب مرحلة جديدة، إلا أننا يمكننا أن نعتبر دخول الإخوان حرب فلسطين عام 1948 مؤشراً واضحاً على الانتقال إلى المرحلة الثالثة. وعليه فإن المرحلة الثانية استمرت عشر سنوات (1938 – 1948).

خصائصها:

تميزت هذه المرحلة بجملة خصائص نذكر منها:

1-     المفاصلة التنظيمية: ذلك أن لكل مرحلة من مراحل العمل أهدافها ووسائلها، ويترتب على ذلك تبعات معينة، مما يقتضي مواصفات خاصة في رجال الدعوة. وقد يوجد أشخاص يمكن الاستفادة منهم في مرحلة معينة، بل قد يتصدرون مواقع قيادية في تلك المرحلة، ولكنهم ليسوا أهلاً للمرحلة التالية، فلا يجوز أن يبقى هؤلاء عبئاً على الحركة، ولكن لا يجوز كذلك أن يغمطوا فضل سبقهم وجهادهم. لهذا فقد اتبع الإمام الشهيد في صيف 1938 في القاهرة أسلوب شرح متطلبات المرحلة وتخيير الإخوة في متابعة السير، والموقع الذي يختاره كل إنسان لنفسه، فكانت فكرة لجنة الأربعين. وبالانتقال عملياً إلى هذه المرحلة وجد البعض نفسه عاجزاً عن متابعة المسير فتنحى.

2-     دعوة الأحزاب: أصبح موقف الجماعة في هذه المرحلة التوجه إلى جميع العاملين في الأحزاب إلى ترك أحزابهم والانضمام إلى الجماعة.

3-     المحنة: بعد أن كانت العقبات التي واجهتها الجماعة في المرحلة السابقة لا تتجاوز الكيد الحقير، فقد كان توقع الإمام الشهيد أن دخول مرحلة دعوة الخاصة يرافقه مواجهة المحن القاسية. وتشتد المحنة كلما اشتد جهاد الجماعة، إلا أن اشتداد المحنة لا بد أن يتبعه – حال ثبات – نصر بإذن الله.

المرحلة الثالثة: إقامة الدولة

وهي مرحلة لم تنتقل إليها الجماعة في عهد الإمام الشهيد بشكل كامل، وإن كان من إرهاصتاها محاولتا ترشيح الإمام الشهيد لمجلس النواب عامي 1942 و 1944. أما دخول حرب فلسطين، فرغم كونه مؤشراً واضحاً، إلا أن اغتيال الإمام الشهيد عقب الحرب لم يترك لنا فرصة لرؤية الإمام الشهيد يسير خطوات في هذه المرحلة. وقد حاول الإمام الهضيبي رحمه الله إكمال السير في الطريق نفسه، فكانت معارك القناة، ثم المساهمة في انقلاب 1952. إلا أن المحنة التي عصفت بتنظيم الإخوان أعادت عقارب الزمن في مصر إلى الوراء.

ومهما يكن الأمر، فإننا نستطيع أن نستخلص من رسائل الإمام الشهيد الملامح التالية لمرحلة إقامة الدولة:

هدفها:

تحرير الوطن من كل سلطان أجنبي غير إسلامي، سياسي أو اقتصادي أو روحي، وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، عن طريق النصح والارشاد، فإن أبت فالخلع والإبعاد.

وسائلها:

1-      النضال الدستوري: بأن يتقدم مرشحو الجماعة لتمثيل الأمة في الهيئات النيابية، فيرتفع  صوت الدعوة في الأندية الرسمية وتناصرها، وتنحاز إليها القوة التنفيذية.

2-      الثورة: الثورة أعنف مظاهر القوة، ولكنها ليست من وسائل الإخوان، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها.

 

المرحلة الرابعة : إعادة الخلافة

وهي مرحلة وضع الإمام الشهيد خطواتها بشكل نظري، فبين أنه عندما تقوم الحكومات الإسلامية في مختلف بلدان العالم الإسلامي، لا بد من حصول تعاون ثقافي واجتماعي واقتصادي بين الشعوب الإسلامية كلها. يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات، وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد. ثم يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية. حتى إذا تم ذلك للمسلمين، نتج عن هذا الاجتماع على الإمام الذي هو واسطة العقد، ومجمتع الشمل، ومهوى الأفئدة.

تعجل الخطوات:

اعتقد الإمام الشهيد أن الخطة التي وضعها أسلم طريق للوصول، وليس مخالفاً حدودها. وقد تكون طويلة، ولكن ليس هناك غيرها. وإنما يمكن تقصير الأمد بمضاعفة الجهد. وخير لمن أراد أن يستعجل الثمرة قبل أوانها أن ينصرف عن هذه الدعوة.

وقد عانى الإخوان من ظهور حركة متسرعة هي حركة مصر الفتاة، والتي لجأت فيما لجأت إليه تحطيم الحانات بالقوة، فزج ببعض شبابها في السجون. وكان رأي الإمام الشهيد أن هذا التحدي لم يكن قد حان وقته بعد، ولا بد من تخير الظرف المناسب أو استخدام منتهى الحكمة فيه، وإنفاذه بصورة أخف ضرراً وأبلغ في الدلالة على المقصد، كلفت نظر الحكومة إلى واجبها الإسلامي.

[5] مراتب العضوية

مقدمة :

بالرجوع إلى المصادر والمراجع التي بين أيدينا تتبين لنا جملة قواعد تنظيمية جرى اعتمادها أثناء سير الجماعة في عهد الإمام الشهيد. وهي تدل على اتجاه في التنظيم، وليست أصولاً لا يمكن الخروج على تفاصيلها، وإلا لكان يجب أن تكون معتمدة منذ اليوم الأول لنشأة الجماعة. ونذكر فيما يلي بعضاً منها.

درجات الانضمام :

نستخلص من قرار التكوين العملي الصادر عن المؤتمر الثالث ما يلي:

1-     هناك أكثر من درجة من درجات الانضمام للجماعة (أخ مساعد وأخ عامل وأخ مجاهد)، تتراوح بين شروط سهلة للدرجة الدنيا، (لا تزيد على استعداد للصلاح)، وشروط صعبة للدرجة العليا.

2-     بعض هذه الدرجات يمكن للأخ أن ينضم إليها بلا تدرج (درجة المساعد والمنتسب والعامل)، وبعضها تكون نتيجة تدرج (درجة المجاهد).

3-     هناك نوع من الارتباط بين هذه الدرجات وبين بعض المواقع الإدارية (موقع النقيب والنائب).

4-     بسبب كثرة الدرجات وسهولة شروط الدرجة الدنيا تتخذ إجراءات حاسمة بشأن كل أخ يتهاون في أداء واجبه.

الحسم :

تعطي لائحتا الزكاة والحج الصادرتان عن المؤتمر نفسه أمثلة عملية على الارتباط بين درجات العضوية وبين المواقع الإدارية، كما تبيان الاختلاف في الواجبات بين هذه الدرجات، وتعطيان أمثلة عملية على الحسم عند التهاون في أداء الواجبات.

مثال ذلك:

يرد الأخ العامل إلى مرتبة الأخ المنتسب في إحدى الحالات التالية:

1-     إذا قصر في الادخار للحج بغير عذر شرعي قاهر (لائحة الحج – المادة 6).

2-     إذا لم يؤد الزكاة (لائحة الزكاة – المادة 14).

3-     إذا أدى الزكاة بنفسه لغير صندوق الزكاة في الجماعة أكثر من مرة واحدة (لائحة الزكاة – المادة 14).

الأسر :

في المرحلة العلنية كان نظام الأسر يربط الإخوان العاملين، مما يمكن الإخوان من التداول في أي أمر ذي بال بطريقة تجعل التسرب أو التسمع أمراً مستحيلاً، كما كان للإخوان المجاهدين أسر خاصة بهم.

[6] نظام الأخوات

النساء والأطفال :

تعنى الحركة بالمرأة عنايتها بالرجل، كما تعنى بالطفولة عنايتها بالشباب.

حقوق المرأة :

تتمتع المرأة بالحقوق التالية:

1-     المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الحقوق الإنسانية.

2-     السماح للمرأة بالخروج إلى المجتمع الخارجي مكشوفة الوجه واليدين.

3-     السماح للمرأة بالمساهمة في النشاط الاجتماعي إذا كان العمل خيرياً والوسط كله نسائياً.

4-     حق التزين بالأصباغ التي يزول أثرها للزوج وحده مع حرمة جراحة التجميل (لغير ضرورة).

5-     حق التعليم في جميع مراحله، ويفضل التعليم الذي يتصل بوظيفتها كربة بيت.

6-     السماح بخروج الرجل مع زوجته للترويح عن النفس في المنتزهات العامة، و الذهاب لمشاهدة أفلام ثقافية أو مسرحيات تاريخية، فهذه الدور والمسارح ليس فيها حرج لذاتها، بل الحرج على الأفلام الرخيصة التي تعرض فيها.

7-     السماح للمرأة بالعمل في الوظائف إذا كانت هناك ضرورة تدعو لذلك.

8-     حق المرأة في تحديد النسل إذا كان ضاراً بصحتها أو لظروف اقتصادية.

9-     الاعتراف بحقوق المرأة السياسية.

قسم الأخوات :

الغاية من تكوين قسم الأخوات هي:

1-     بعث الروح الدينية وبث التعاليم الإسلامية الكفيلة بتكوين شخصيات من النساء مهذبة تستطيع الاضطلاع بما يناط بها من أعمال وواجبات.

2-     التعريف بالفضائل والآداب لمزكية للأنفس، والموجهة إلى الخير والكمال، وتعريفها بما لها من حقوق وما عليها من واجبات.

3-     إرشادهن إلى طرق التربية الإسلامية الصحيحة النافعة التي تضمن لأبنائهم النمو الجسمي والعقلي، وتجنبهم الانحراف الصحي والنقص العقلي.

4-     العمل على صبغ البيت بالصبغة الإسلامية، وبث تعاليم القرآن الكريم والسنة المطهرة، وسيرة أمهات المؤمنين وفضليات النساء، ممن حفل بهن التاريخ الإسلامي المجيد.

5-     محاربة البدع والخرافات والأباطيل والترهات والأفكار الخاطئة والعادات السيئة التي تنتشر وتروج بينهن.

6-     نشر الثقافة العامة والمعارف التي تنير عقولهن وتوسع مداركهن.

7-     الاهتمام بالشؤون المنزلية لتجعل من البيت مكاناً سعيداً يضم أسرة هانئة على أساس فاضل سليم.

8-     المساهمة في المشروعات الاجتماعية النافعة بالقدر الذي يتناسب مع ظروفهن وجهودهن وفي محيطهن، كالمستوصفات ودور الطفولة ورعاية اليتامى، وأندية الصبيان، والمدارس، وتنظيم مساعدة الأسر الفقيرة.

9-     المعاونة في حدود ظروف الأخوات وجهودهن في تحقيق البرنامج الاصلاحي الأساسي لهيئة الإخوان المسلمين العامة.

[7] السياسة التنظيمية

مواصفات الفرد :

الخوف من الله تعالى واحترام النظام وحسن الطاعة أساس صلاحية الأخ للعمل الجماعي. ولا بد من التنبيه على بعض الجزئيات:

1-     الأخ الذي له أساليب خاصة به، وينظر إلى القيادة نظرة أقران، ولا يصغي لآرائها إلا قليلاً، فإن الاعتماد عليه مخاطرة مهما بلغ من الصلاح، لأنه حينئذ يغري الجماعة بصلاحه ويفرقها بخلافه.

2-     لا ينفع في بناء الجماعة إلا ما بنت القيادة بنفسها، أو بجهود الإخوان الذين يرون للقيادة معهم شركة في التهذيب والتعليم. ولهذا، فكل فرع أنشئ بغير أسلوب القيادة لا ينفع كثيراً.

وحدة العمل الإسلامي :

ومع أن توحيد الهيئات الإسلامية أمل كبير وأمنية عزيزة يتمناها كل محب للإصلاح، فإن هذه الخطوة ينبغي أن لا تقدم عليها الجماعة إلا بشروط. ولعل من مقاييس سلامة هذا التوحيد أن تقبل هيئة على الانضمام إلى الجماعة من غير ضغط من أي ظرف، اللهم إلا قناعة العاملين في الهيئة بضرورة التوحيد وبسلامة خط الجماعة، ومن أمثلة ذلك انضمام جمعية الحضارة الإسلامية إلى حركة الإخوان. أما إذا اضطرت هيئة ما إلى الانضمام إلى الجماعة لعجزها عن إكمال سيرها، كما كان شأن هيئة مصر الفتاة، فهذا الانضمام لا نفع فيه، خصوصاً إذا كان كثير من أعضاء الهيئة لا يلتقون مع فكرة الإخوان.

المفاصلة التنظيمية :

للجماعة كلما انتقلت إلى مرحلة جديدة من مراحل العمل أن تعيد تصنيف إخوانها، وأن تطلب القيادة من القادر على متابعة المسير أن يتقدم، وتطلب من غير القادر أن يتأخر.

معالجة الأخطاء :

عندما يتورط بعض الأخوان في معارضة للقيادة وخروج على الأصول المتبعة بدافع من الإخلاص وحسن القصد، ولكنهم يخطئون الطريق، فإن واجب القيادة حسن الظن بهم، وتقدير سابقتهم في الدعوة وخدمتهم إياها، وتضحيتهم في سبيلها، فتحرص على إخوتهم وسلامة نفوسهم، ولا تؤاخذهم بقسوة، أو تعاجلهم العقوبة، أ, تباعد بينهم وبين إخوانهم بإقصاء أو فصل، وإنما تحاول معالجة الأمر بالتي هي خير، فإن عادوا إلى الجادة فبها ونعمت، وإن أبوا إلا التمرد فإن القيادة لا بد أن تفصلهم.

أما عندما يكون هناك تآمر واضح وخسة ومكر، فليس من الخير على الاطلاق بقاء أمثال تلك العناصر مع الجماعة. إلا أنه لا ينبغي للجماعة أن تشهر بالذين قصلتهم، فلعله يكون أصلح لها ولهم وللإسلام أن يعملوا من خارجها، واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.

التفرغ :

التفرغ للعمل مبدأ صحيح يعمل به عند الحاجة إليه، ولكن ينبغي على الإخوة أن لا يجعلوا الجماعة متكاً لحل مشاكلهم الخاصة، فلأن يعطي أحدهم الدعوة خير له من أن يأخذ منها.

الاشتراك المالي :

الأصل في الاشتراك المالي في الجماعة أنه تطوعي.

[8] السياسة التربوية

مقدمة :

تهدف السياسة التربوية للجماعة إلى زرع مبادئها في نفوس الإخوان. ومن المبادئ الأساسية الضرورية عند بدء التربية:

1-     أن الإسلام معنى شامل ينتظم شؤون الحياة جميعاً، ويفتي في كل شأن منها، ويضع له نظاماً محكماً دقيقاً، ولا يقف مكتوفاً أمام المشكلات الحيوية والنظم التي لا بد منها لإصلاح الناس.

2-     أن مهمتنا سيادة الدنيا وإرشاد الإنسانسة كلها إلى نظم الإسلام الصالحة، وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس.

3-     أننا نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا.

4-     أن هذه الدعوة لا يصلح لها إلا من حاطها من كل جوانبها، ووهب لها ما تكلفه إياه من نفسه وماله ووقته وصحته.

التوازن في التربية :

تعمل التربية الإخوانية على إنشاء جيل يحقق معنى رهبان في الليل فرسان في النهار. لهذا ترى الاخ المسلم في المحراب خاشعاً متبتلاً يبكي ويتذلل، وبعد ذلك يكون هو بعينه واعظاً مدرساً يقرع الآذان بزواجر الوعظ، وبعد قليل تراه نفسه رياضياً أنيقاً يرمي الكرة أو يدرب على العدو أو يمارس السباحة، وبعد فترة يكون هو بعينه في متجره أو معمله يزاول صناعته في أمانة وفي إخلاص.

التربية العامة :

لا ينبغي أن تكون تربيتنا للإخوان على أساس طريق – أو مذهب – خاص، لأسباب أهمها:

1-     اعتماد طريق – أو مذهب – خاص يؤدي إلى خصومة مع أبناء الطرق والمذاهب الأخرى.

2-     حصر الدعوة في طريق – أو مذهب – خاص يجعلها محصورة في نفر من المسلمين.

3-     حصر الدعوة في طريق – أو مذهب – خاص يجعلها وقفاً على ناحية واحدة من نواحي الإصلاح الإسلامي.

إنما يجب أن تكون دعوتنا دعوة عامة قوامها العلم والتربية والجهاد، وهي أركان الدعوة الإسلامية الجامعة. ومن أراد بعد ذلك تربية خاصة، فهو وما يختار لنفسه. إنما ينبغي أن يكون ذلك بإذن القيادة.

العقيدة :

تبنى العقيدة الصحيحة على أساس آيات الكتاب الجكيم، وأحاديث الرسول r وسير الصالحين، ومسالك الموقنين، من غير التفات إلى نظريات فلسفية، أو أقيسة منطقية، وإنما من خلال لفت الأنظار إلى عظمة الباري في كونه، وإلى جلال صفاته بالنظر إلى مخلوقاته، والتذكير بالآخرة في أسلوب وعظي، بطريقة لا تعدو جلال القرآن الكريم في هذه المعاني كلها. وتجدر الإشارة إلى أنه لا ينبغي هدم عقيدة فاسدة إلا بعد بناء عقيدة صحيحة.

كذلك ينبغي تدريس العقيدة للإخوان على أساس مذهب السلف في السكوت عن المتشابهات، وتفويض معناها إلى الله تعالى. إلا أن بعض القضايا التي أثارها السلفيون وأدخلوها في العقيدة هي في نظرنا من الفروع وليست من أصول الدين.

إلى جانب هذا، فإن للإخوان عقيدة خاصة تسمى عقيدة الإخوان المسلمين، تلخص فهمهم للإسلام، لا بد من دراستها والعمل بمقتضاها.

القرآن الكريم :

القرآن الكريم محور التربية الإخوانية. ولهذا يحرص الإخوان على الإكثار من تلاوته، والتعبد بقراءته، والتقرب إلى الله تبارك وتعالى به.

وإذا نظرنا إلى واقع الأمة فإننا نرى أن الناس قد وقعوا في جهالة بكتاب الله، تجعل بينهم وبين استنباط الأحكام منه حجاباً كثيفاً وسداً منيعاً، مما اضطرهم إلى القناعة بالملخصات، والرضا بالتعليقات، وقصر هممهم عن السمو إلى ما هو أرقى من ذلك من الغايات.

وإذا أخذنا كتب التفسير بعين الاعتبار، فإننا نجد أن قسماً كبيراً من التفاسير القديمة كان متأثراً بقضايا الفلسفة، وكثيراً ما حاول البعض استنباط ما يوافق مذهبه في العقيدة أو الفروع، وكثير من كتب التفسير ما كانت أكثر من ردود على كتب سابقة. لهذا يجب أن تعتبر أكثر تلك الكتب خاصة بالعصر الذي وجدت فيه، من حيث تلونها بلونه.

لهذا كله يرى الإخوان أنه ينبغي أن يفهم القرآن الكريم طبقاً لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف، مع الإلمام بالسيرة النبوية المطهرة، والعناية بنوع خاص بأسباب النزول، وارتباطها بمواضعها من هذه السيرة. وتكون العودة إلى التفاسير التقليدية بعد ذلك للوقوف على معنى لفظ دقيق، أ, فهم تركيب خفي، أو استزادة من ثقافة معينة تعين على الفهم الصحيح لكتاب الله، فهي مساعدات للفهم.

الفقه :

إن دعوة الإخوان دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة، ولا تنحاز إلى رأي عرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة، وتعتقد أن الخلاف في فروع الدين مستحيل، بل هو يتنافى مع طبيعة الدين. ولا يرتفع الخلاف إلا بوجود الخليفة حيث يعمل برأيه، ورأي نائبه، فيما لا نص فيه، وقيما يحتمل وجوها عدة، وفي المصالح المرسلة، ما لم يصطدم ذلك الرأي بقاعدة شرعية.

وترى الجماعة أن من عوامل تحلل كيان الدولة الإسلامية إهمال كتاب الله وسنة الرسول r، والجمود والتعصب للآراء والأقوال، والولع بالجدل والمناظرات والمراء.

كما ترى الجماعة أن أساس التعاليم الإسلامية ومعينها الصافي هو كتاب الله تبارك وتعالى، وسنة رسوله r، وأن كثيراً من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها، والشعوب التي عاصرتها، ولهذا يجب أن تستقى النظم الإسلامية التي تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي، معين السهولة الأولى، وأ، نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم، وأن نقف عند هذه الحدود الربانية، حتى لا نقيد أنفسنا بغير ما يقيدنا به الله، ولا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معه، والإسلام دين البشرية جميعاً. ونحن بهذا المعنى دعوة سلفية.

لهذا كله ينبغي أن يبدأ بتدريس الفقه بطريقة عملية مع الترغيب والترهيب، وربط ذلك بالكتاب والسنة، من غير تفريع للمسائل، أو لجوء إلى المصطلحات الغامضة. وعندما تتبنى الجماعة تدريس الفقه لأعضائها فإنها لا تعمد إلى اختيار مذهب معين. فلقد كان المؤتمر الخامس قد صدر عنه قرار بتأليف لجنة علمية لوضع كتاب مختصر مفيد في العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات الإسلامية، مدعم بالأدلة من الكتاب والسنة، بعيد عن مناحي الخلاف وتشعب الآراء، حتى يكون مرجعاً للإخوان ولمن شاء.

ومع ذلك فإن من حق أي أخ – بل أي مسلم – أن يدرس لنفسه ما شاء من المذاهب، وأن يلتزم بما شاء، مع توجيهه إلى ضرورة أن تكون دراسته مقرونة بدراسة الأدلة، وأن يترك ما هو عليه إلى ما ترجح عنده قوة دليله إذا اطمأن إلى إخلاص من يرشده وكفايته، مقيداً أننا طريقة سنية، بمعنى حمل أنفسنا على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات.

التصوف :

صوفية الجماعة تعني أننا نعلم أن أساس الخير طهارة النفس ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير. إلا أننا نرى أن تجاوز السنة في التربية إلى مبالغات لم ترد، وتحليل الأذواق والمواجيد، ومزج ذلك كله بعلوم الفلسفة والمنطق، ليس من الدين في شيء.

ومع إيمان الجماعة بجواز حصول الكرامات بشرائطها الشرعية، فإن أعظم كرامة يكرم بها عبد هي التوفيق لنشر دعوة الإسلام، والغيرة على محارم الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وتعتقد الجماعة أن الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية، وأن رؤية الرسول r في اليقظة أو المنام لا يقطع بحقيقتها إلا للصحابة الكرام الذين رأوه في حياته ويعلمون صورته. وعليه يكون اعتبار هذه الالهامات عندما لا تصادم أحكام الدين ونصوصه من المباحات، أما اعتبارها عند التصادم فمعصية.

وترى الجماعة أن إهمال القرآن جملة، والاكتفاء بالأوراد والأحزاب والوظائف والصلوات التي وضعها الشيوخ ترك لكتاب الله وإهمال لحقوقه، ولو كانت الأوراد لا تخالف ظاهر الشريعة. بل ينبغي أولاً الاهتمام بكتاب الله، وبعد ذلك يمكن للإنسان أن يذكر الله بما شاء من الصيغ التي تنطبق على أحكام الدين. ولهذا فإن الذكر الإخواني أكثره آيات وأحاديث، وهو جانب على الإخوان إلزام أنفسهم به.

أولويات المنهج التربوي :

يركز  المنهج التربوي على القضايا التالية:

1-     تلاوة القرآن والاستماع إليه وفهمه، على أن يقرأ القارئ بتدبر وخشوع، وأ، يستلهم الرشد والسداد، وأن يجمع شوارد فكره حين التلاوة، مع حفظ ما يمكن حفظه.

2-     الإكثار من القراءة في حديث رسول الله r، وحفظ بعض الأحاديث.

3-     دراسة السيرة وتاريخ السلف.

4-     دراسة رسالة في أصول العقائد ورسالة في فروع الفقه.

5-     الإكثار من المطالعة في رسائل الإخوان وجرائدهم ومجلاتهم ونحوها – كالكتب الدعوية والتربوية وما يتناول حاضر المسلمين ومشاكلهم-.

نتائج المنهج التربوي :

يهدف هذا المنهج إلى تحقيق أركان الدعوة الجامعة، والتي هي العم والتربية والجهاد.

1-     بغير العلم بكتاب الله وتاريخ الدعوة الإسلامية وواقع الحياة، فإن الحماس يؤدي بصاحبه إلى النحراف والاصطدام والتحطم.

2-     بغير التربية على منهج الدعوة في الحب، والامتزاج الروحي، والصفاء، والتنافس في البذل، والعمل، والتضحية، واحتمال المشاق في سبيل الدعوة، فإن الجاه والمال يغريان العامل بسلوك طريق الدس والوقيعة، ولو كان شيخاً أريباً أدبياً عالماً فقيهاً لبقاً ذلق اللسان واضح البيان. غير أن هذه التربية لا تتم بالكلام النظري، وإنما بالممارسات العملية.

3-     بغير الجهاد يصبح الإيمان مخدراً نائماً في النفوس، لا ينزل على حكمه، ولا يعمل بمقتضاه. فإذا غفل الإنسان عن فكرته، فهو لا يفكر في العمل لها، ولا يحدث نفسه بأن يجاهد أضعف الجهاد في سبيلها. بل إنه قد يبالغ في هذه الغفلة وهذا النسيان، حتى يعمل على ضدها وهو يشعر أو لا يشعر. والجهاد أن يدرك الإنسان أن لب دعوته فكرة وعقيدة يقذف بها نفوس الناس ليتربى عليها الرأي العام، وتؤمن بها القلوب، وتجتمع عليها الأرواح: تلك هي العمل للإسلام والعمل به في كل نواحي الحياة.

بنتيجة هذه التربية، يشعر الإنسان أنه روح جديد يسري في قلب الأمة، فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داو يعلو مردداً دعوة الرسول r. وعليه أن يدرك منزلته هذه، فلا يصغر في نفسه فيقيس نفسه بغيره، أو يسلك في دعوته سبيلاً غير سبيل المؤمنين، أو يوازن بين دعوته التي تتخذ نورها من نور الله، ومنهاجها من سنة رسول الله r، بغيرها من الدعوات التي تخلقها الضرورات، وتذهب بها الحوادث والأيام.

[9] السياسة الدعوية

مقدمة :

ليست المساجد بالضرورة هي الأماكن الأكثر مناسبة لتبليغ الدعوة للناس. فقد يحصل أن يكون المسجد ساحة صراع بين فرق ومذاهب، حتى أن المتكلم ليجد نفسه في مواجهة جمهور لا يهم كل فرد فيه أن يعلم عن المتكلم أكثر من انتمائه الحزبي أو المذهبي. فينبغي والحالة هذه الابتعاد عن الحديث للناس في المساجد. وقد تكون المساجد خلواً إلا من الشيوخ الفانين، والداعية يريد مخاطبة الشباب فلا يجدهم إلا في المقاهي. ويخطئ من يظن أن جمهور المقاهي أبعد الناس عن الاستعداد لسماع العظات، بل قد يكون هذا الجمهور أكثر الناس تجاوباً.

وليس الداعية بالضرورة هو الإنسان الذي جمع قسماً وافياً من العلوم الشرعية حتى أصبح قادراً على الفتيا، بل كل إنسان فهم الدعوة وتحمس لها يمكن أن يكون داعية في محيطه، وإن كان لا يحسن أكثر من مبادئ القراءة والكتابة.

المادة الدعوية :

تختلف المادة الدعوية التي يقدمها الأخ للناس باختلاف حالة المدعوين. فبالنسبة لجمهور المقاهي ومن في حكمهم، فإن الداعية يقدم له وعظاً عاماً: تذكيراً بالله واليوم الآخر، وترغيباً وترهيباً، فلا يعرض لتجريح أو تعنيف، ولكنه يقنع بأن يدع شيئاً من التأثير في هذه النفوس وكفى. وعليه أن ينحرى الأسلوب فيجعله سهلاً جذاباً مشوقاً، خليطاً بين العامية أحياناً، ويمزجه بالمحسنات والأمثال والحكايات، ويحاول أن يجعله خطابياً مؤثراً في كثير من الأحيان. وعليه أن يتحايل دائماً على جذب هذه النفوس، باعثاً الرغبة والشوق إلى ما يقول. وهو بعد هذا لا يطيل حتى لا يمل، ولكنه لا يزيد في الدرس على عشر دقائق، فإذا أطال فربع ساعة، مع الحرص على أن يوفي في هذا الوقت معنى خاصاً يقصد إليه، ويتركه وافياً واضحاً في نفوس السامعين. وعليه حين يعرض لآية أو حديث أن يتخير تخيراً مناسباً، ويقرأ قراءة خاشعة، ويتجنب التفاسير الاصطلاحية، والتعليقات الفنية، بل يكتفي بالمعنى الإجمالي يوضحه، والاستشهاد المقصود يشرحه.

بالنسبة للعوام حديثي العهد بالتعبد، فعلى الداعية أن يسلك بهم مسلكاً عملياً بحتاً، فلا يعمد إلى العبارات يلقيها، أو الأحكام المجردة يرددها، بل إذا أراد تعليمهم الوضوء مثلاً عمد إلى أخذهم إلى الحنفيات تواً، فصفهم صفاً، ووقف فيهم موقف المرشد إلى الأعمال عملاً عملاً، حتى يتموا وضوءهم. وإذا أراد تعليمهم الصلاة، شرح أعمالها مطالباً إياهم بأدائها عملياً أمامه، ذاكراً ما ورد في فضلها، مخوفاً من تركها. وعليه كذلك أن يستظهر معهم الفاتحة، ويصحح لهم ما يحفظونه من قصار السور، وأن يتجنب في تعليمه التعقيدات والتفريعات.

وبالنسبة لجمهور المسجد فليس الغرض من الحديث إليه إعطاءه دراسة معمقة في العلوم الإسلامية، فذلك كجاله غير هذا. ونما القصد تعليم أصول الدين وقواعده، والعمل بأخلاقه وفضائله العامة وإرشاداته المجمع عليها، وتأدية الفرائض والسنن. فعلى الداعية أن يتجنب الخلافيات التي لا جدوى من البحث فيها. ويحسن به أثناء تدريسه عدم التضييق هلى رأي واحد إذا كان في الدين فسحة، بل يبين أقوال المجتهدين إذا كانت المسألة تحتمل وجوهاً عدة.

والحديث إلى الناس في المسجد لا يقتصر على الدروس والخطب، بل قد تريد الجماعة تبليغ فكرة محددة للناس، فيمكن أن يتم ذلك بكلمة موجزة قد لا تتجاوز دقيقتين، يلقيها أخ بعد صلاة الجمعة مثلاً أو أي وقت آخر.

أما بالنسبة للمثقفين – والطلاب خاصة – فإن المادة التي يجب أن تقدم لهم هي رأي الجماعة في كل ما يجري على الساحة ويكون موضه\ع الاهتمام الناس، وسط آراء الهيئات والأحزاب المختلفة، ومقارعة الحجة بالحجة.

ونشير في ختام هذه الفقرة إلى أنه على الأخ الداعية أن يدرس البيئة التي يتحرك فيها، وأ، يحسن تحضير الموضوع الذي ينبغي الحديث فيه.

مع العلماء :

على الأخ الداعية أن يسلك مع العلماء مسلك الصداقة والتوقير والإجلال الكامل، ويحرص على أن لا يتقدم أحداً منهم في درس أو محاضرة أو خطبة، وإذا كان يدرس وقدم أحدهم تنحى له وقدمه للناس، فإن لهذا الأسلوب أثره في نفوسهم. وإذا أراد محاورة العلماء، فعليه أن يحاورهم في جلسات خاصة، لا أمام العوام.

مع السلفيين :

لا ينبغي مناقشة السلفيين في تفاصيل العقيدة وتوصيف البدعو، وإنما ينبغي أن نبين لهم أن الانشغال بقضية الإسلام العالمية يقدم على هذه القضايا الفرعية.

مع الصوفيين :

على الأخ الداعية أن يتأدب مع شيوخ الطرق بأدب الطريق ويخاطبهم بلسانها، ثم إذا خلا بهم شرح لهم حال المسلمين وجهلهم بأولويات دينهم، وتفكك رابطتهم، وغفلتهم عن مصالهم الدينية والدنيوية، ويذكرهم بالتبعة الملقاة على كاهلهم لاتباعهم الذين وثقوا بهم وأسلموهم قيادهم ليدلوهم على الله ويرشدوهم إلى الخير، ثم يطلب منهم أن يوجهوا كل جهودهم إلى إنارة أذهان الناس بالعلم والمعرفة، وإلى التربية الإسلامية الصحيحة، وجمع كلمتهم على عزة الإسلام والعمل على إعادة مجده.

هذا ما يخص المخلصين منهم. أما المشايخ الذين يتخذون الصوفية مرتزقاً، ووسيلة إلى الكسب المادي، وسبيلاً إلى استغلال جهل المسلمين وسذاجتهم، فلا بد من مواجهتهم بالحكمة، وحماية الناس من أن يكونوا فريسة لدجالين يتخذون الدين وسبلة لإضلال الناس وابتزاز أموالهم.

وإذا أمكن بذل شيء من الجهد في إصلاح الحركات الصوفية وتنقية ما فيها من شوائب، فذلك أمر مطلوب وميسور، إذا وجد من العلماء من يمكنه التفرغ له، لأن أتباع هذه الطرق من أكثر الناس استعداداً للصلاح.

مع الهيئات الإسلامية :

موقفنا من الهيئات الإسلامية عامة أننا نتمنى لها الخير جميعاً وندعو لها بالتوفيق. وأن خير طريق نسلكها ألا يشغلنا الالتفات إلى غيرنا عن الالتفات إلى أنفسنا. فأمتنا محتاجة إلى جنود وجهاد، والوقت لا يتسع لنتطلع إلى غيرنا ونشتغل به، فكل في ميدانه والله مع المحسنين.

على أننا نحب أن نتعاون مع هذه الهيئات ونحاول جاهدين أن نقرب بين وجهات النظر، ونوفق بين مختلف الفكر. ولا يباعد بيننا رأي فقهي، أو خلاف مذهبي، بل نعمل على جمعها وتوحيدها حول الفكرة العامة.

وإذا كانت هناك حركة تشترك معنا في غايتها العامة، وهي العمل لما فيه إعزاز الإسلام وإسعاد المسلمين، وإنما تقع فروق بسيرة في أسلوب الدعوة وفي خطة القائمبن بها، فإننا لا نشعر أننا في ميدان منافسة، ولكن في ميدان تعاون قوي وثيق. ولا بأس أن نظهر وإياهم في كثير من القضايا الإسلامية العامة شيئاً واحداً وجماعة واحدة.

أما الحركات الإسلامية المتسرعة التي قد لا تتورع، انطلاقاً من تسرعها، عن توجيه التهم لنا، فإنا، وإن كنا لا نؤيدها، وننبه بالحسنى إلى مواقع الزلل، إلا أننا لا نحاربها، بل يسرنا أن يوفق كل عامل للخير إلى الخير، ولا نحب أن نخلط البناء بهدم، وفي ميدان الجهاد متسع للجميع.

الإشاعات والأكاذيب :

تتعرض الدعوات في سيرها إلى كثير من الإشاعات والأكاذيب، يطلقها المغرضون الذين امتلأت  قلوبهم بالحسد والغيرة من العاملين للإسلام، فلا بد من اعتماد قاعدة مهمة في سير الدعوة العملي، وهي أن الإشاعة والأكاذيب لا يقضى عليها بالرد، ولا بإشاعة مثلها، ولكن يقضى عليها بعمل إيجابي نافع يستلفت الأنظار، ويستنطق الألسنة بالقول، فتحل الإشاعة الجديدة وهي حق، محل الإشاعة القديمة وهي باطل.

أما إذا كان الافتراء من علماء معروفين، ولهم أثرهم في نفوس الناس، فإنه لا بد من معالجة الأمر وإيقافهم عند حدهم ومنعهم من التقول، من غير استخدام العنف معهم.

[10] السياسة العامة

وسائل العصر :

الدعاة اليوم إلى شتى المذاهب غيرهم بالأمس، فهم مثقفون مجهزون مدربون أخصائيون – ولا سيما في البلاد الغربية – حيث تحتص بكل فكرة كتيبة مدربة توضح غامضها، وتكشف عن محاسنها، وتبتكر لها وسائل النشر وطرق الدعاية، وتتلمس لها في نفوس الناس أيسر السبل وأهونها وأقربها إلى الاقتناع والاتباع.

ووسائل الدعاية الآن عيرها بالأمس كذلك، فقد كانت دعاية الأمس كلمة تلقى في خطبة أو اجتماع، أ, كلمة تكتب في رسالة أو خطاب. أما الآن فنشرات ومجلات، وجرائد ورسالات، ومسارح وخبالات، وحاك ومذياع. وقد ذلل ذلك كله سبل الوصول إلى قلوب الناس جميعهم، نساءً ورجالاً، في بيوتهم ومتاجرهم ومصانعهم ومزارعهم.

لهذا كله كان من واجب أهل الدعوة أن يحسنوا تلك الوسائل جميعاً حتى يأتي عملهم بثمرته المطلوبة.

الإعلام :

لا بد من الموازنة بين إيثار الناحية العملية على الدعاية والإعلانات، مخافة أن تشوب هذه الأعمال شوائب الرياء فيسرع إليها التلف والفساد، وبين ما ورد في إذاعة الخير والأمر به والمسارعة إلى إعلانه ليتعدى نفسه.

والإخوان بطبعهم يؤثرون أن لا يراهم الناس إلا عاملين. فمن أقنعه العمل فيها، ومن لم يؤثر فيه العمل فلن يرشده القول. وهم ينفرون من اعتماد الناس على الدعايات الكاذبة والتهريج الذي ليس وراءه عمل. وهذه معان محمودة لا بأس باعتمادها. ولكن عندما تظهر الدعوة، ويتساءل عنها الناس، ويبدأ الفضوليون بتصويرها للغير من غير أن يعرفوا عنها قليلاً أو كثيراً من شؤونها، فقد وجب علينا أن نبين للناس غايتنا ووسيلتنا وحدود فكرتنا ومنهج أعمالنا، وأن نعلن هذه الأعمال على الناس، لا للباهاة بها، ولكن للإرشاد إلى ما فيها من نفع للأمة وخير لأبنائها. ومن تلك الوسائل النشرات الداخلية والخاصة، والصحف اليومية، مع الحرص على الصدق، فلا نتجاوز الحقيقة. وأن تكون الدعاية في حدود الأدب الكامل، والخلق الفاضل، والحرص التام على جمع القلوب وتأليف الأرواح، واستشعار الفضل في ذلك كله لله.

العمل الاجتماعي :

للإخوان غاية قريبة يبدو هدفها وتظهر ثمرتها لأول يوم ينضم فيه الفرد إلى الجماعة، أو تظهر الجماعة الإخوانية فيه في ميدان العمل العام. هذه الغاية هي المساهمة في الخير العام أياً كان لونه ونوعه، والخدمة الإجتماعية كلما سمحت بها الظروف.

يتصل الأخ بالإخوان فيكون مطالباً بتطهير نفسه، وتقويم مسلكه، وإعداد روحج وعقله وجسمه للجهاد الطويل الذي ينتظره في مستقبل الأيام، ثم هو مطالب بأن يشيع هذه الروح في أسرته وأصدقائه وبيئته.

وتتكون الجماعة من جماعات الإخوان، فتتخذ داراً وتعمل على معليم الأميين، وتلقين الناس أحكام الدين. وتقوم بالوعظ والإرشاد والإصلاح بين المتخاصمين، والتصدق على المحتاجين، وإقامة المنشآت النافعة من مدارس ومعاهد ومستوصفات ومساجد، في حدود مفدرتها، والظروف التي تحيط بها.

ولا يقتصر الإخوان في عملهم هذا على أنفسهم، بل يمكن في العمل الاجتماعي الاستعانة بعناصر من أهل الاختصاص، ولو لم يكن لهم حظ موفور من التهذيب الروحي، والتربية على منهج الدعوة، على أن لا يعني هذا أن تصبح لهم مكانة في المجتمع الإخواني ذاته.

كذلك يمكن الاستفادة من العمل الاجتماعي بأن تكون الدعوة أحياناً إليه في أول الأمر لا إلى الجماعة، ثم يكون العمل للجماعة في مرحلة لاحقة.

العمل الاقتصادي :

على الإخوان أن يساهموا في الأعمال الاقتصادية، وأن يكون لهم نشاط ملحوظ نافع في المشروعات الإسلامية المالية التي تحفظ على المسلمين ثروتهم، وتدربهم على خوض الميادين التي استأثر بها الأجانب واليهود ومن لا خلاق لهم، ولكن بشرطين:

1-     ألا نخلط بين نشاط الدعوة والنشاط الاقتصادي، لا في شكل ولا موضوع، فتكون عناوين الأعمال بغير اسم الاخوان – أي برخص مستقلة – وفي غير دورهم. ولها نظامها المادي والاقصادي الصرف الذي لا تشوبه شائبة من عاطفة أو تهاون، فالدعوة شيء، والمال الاقتصادي شيء آخر وإن كان كل منهما بعين الآخر، ولكن لكل لونه ووسائله وأساليبه. ولا بد من ملاحظة تطبيق قواعد الإسلام الحنيف.

2-     ألا تكون للقيادات الإسلامية صلة بهذه الأعمال من قريب أو بعيد، صيانة لموقعها ومجهودها، وأن يتحمل الإخوان الراغبون في القيام بالمشروع الاقتصادي التبعة كاملة.

الحكومة :

هناك جملة قواعد تحكم سياستنا مع الحكومة، وهو ما بدأ الإمام الشهيد بتنفيذه ابتداءً من مرحلة دعوة الخاصة.

1-     نحن لا نطلب الحكم لأنفسنا، فإن وجدنا من الأمة من يستعد لحمل هذا العبء وأداء الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني، فنحن جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم نجد، فالحكم من منهاجنا، وسنعمل لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أمر الله.

2-     نحن نتقدم إلى الحكومة ببرامج الاصلاح، ونخاطب الحكومة بلسانها وبالأدب الرسمي حرصاً على تأليف القلوب، كالعريضة التي رفعت إلى الملك فؤاد، والخطاب الذي رفع إلى رئيس الوزراء وإلى وزير الأشغال، وإلى رئيس الحكومة. وليس مبرر هذا الأدب وهذا التوجه إسلام المخاطبين، وإنما الإصلاح. وقد يقتضي الإصلاح التوجه بالخطاب إلى غير المسلمين، ومع هذا فلا بد من لزوم أدب المخاطبة دون تذلل، كالخطاب الذي وجه إلى بطريرك الأقباط وإلى سفير بريطانيا.

3-     ورغم كل هذه المجهودات، فإننا نعلم أن الذين تربوا في أحضان الأجانب ودانوا بفكرتهم، يصعب استحابتهم، ولا نتوقع أن يكون هناك أثر عملي لمطالبنا. فإن قوماً فقدوا الإسلام في أنفسهم وبيوتهم وشؤونهم الخاصة والعامة لأعجز من أن يفيضوه على غيرهم، ويتقدموا بدعوة سواهم إليه، وفاقد الشيء لا يعطيه. وإنما المطلوب الوصول إلى إنشاء الجيل الجديد الذي يتربى على الإسلام. ومع هذا فسنظل في موقف الناصح حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين.

4-     وقد تضطر الجماعة إلى القيام ببعض الأعمال لمساعدة الحكومة على الاستجابة لمطالبها، إذا أنست في العمل فائدة، ومن أمثله ذلك المشاركة في حفل تتويج الملك فاروق، ولقاء المرشد العام بالملك فاروق، واستقباله بجوالة الإخوان، وحفل تكريم النواب بسراي آل لطف الله، واسقبال رئيس الوزراء بعد عودته من مؤتمر فلسطين. وقد يتقدم الإخوان إلى الحكومة بعرض خدماتهم لوضع مطالبهم موضع التنفيذ. إلا أن هذه الأعمال كلها يجب أن تبقى محكومة بالقواعد الشرعية، فلا نشارك في منكر بحجة السياسة.

5-     وقد تتعرض الجماعة إلى الكيد من الحكومة بعد انطلاقها في العمل السياسي، فعلى الجماعة أن تلين مواقفها وتحاول أن تجعل الزوابع تمر بشيء من الانحاء يمس ظاهر كرامتها، إذا رأت القيادة فيه الخير الآجل.

الأحزاب :

كانت الأحزاب المصرية في رأي الإمام الشهيد أحزاباً مصنوعة أكثر منها حقيقية، وكان العامل في وجودها شخصياً أكثر منه وطنياً، فقد تكون الوفد المصري من الأمة كلها للمطالبة بالاستقلال على أساس المفاوضة، وتلك كانت مهمته. ثم تفرع منه حزب الأحرار الدستورية للخلاف في أسلوب المفاوضات. وقد انتهت المفاوضة بأساليبها ونظمها وقواعدها فانتهت مهمتها بذلك. وتكون حزب الشعب لايجاد نظام خاص ودستور خاص، وقد انتهى هذا الدستور وذلك النظام بأشكاله وأوضاعه فانتهت مهمته هو الآخر. وتكون حزب الاتحاد لموقف خاص بين السراي والأحزاب.

هذه الأحزاب تتفق جميعاً في عدة أمور: تتفق في أن كثيراً من رجالها قد عملوا على خدمة القضية السياسة المصرية، واشتركوا فعلاً في الجهاد في سبيلها وفي الوصول إلى ما وصلت إليه مصر من ثمرات هذا الجهاد الضئيلة أو الجليلة، فنحن في هذه الناحية لا نبخس هؤلاء الرجال حقهم. وتتفق كذلك في أن حزباً منها لم يحدد منهاجاً دقيقاً لما يريد من ضروب الإصلاح، ولم يضع هدفاً يرمي إليه. وهي لهذا لا تتفاوت في المناهج والأغراض والغايات. وتتفق كذلك في أنها لم تقنع بوجوب المناداة بالاصلاح الاجتماعي على قواعد الإسلام وتعاليم الإسلام، وظل أقطابها جميعاً يفهمون الإسلام على أنه ضروب من العبادات والروحانيات لا صلة لها بحياة الأمم والشعوب الاجتماعية والدنيوية. وتتفق بعد ذلك في أنها تعاقبت على حكم مصر فلم تأت بجديد، ولم ولم يجد الناس في ظل حكمها ما كانوا يأملون من تقدم مادي أو أدبي. ولقد كان لهذا أثره العملي، فقامت في مصر الحكومات غير الحزبية في أوج الظروف وأدق المواقف.

وإذاً فلم يكن هناك خلاف بين الأحزاب المصرية إلا في مظاهر شكلية وشؤون شخصية لا يهتم لها الإخوان المسلمون. وبناء على تلك الظروف الموضوعية ، فقد حدد الإمام الشهيد الموقف التالي: إن الإسلام، وهو دين الوحدة في كل شيء، وهو دين سلامة الصدور ونقاء القلوب والإخاء الصحيح والتعاون الصادق بين بني الإنسان جميعاً، فضلاً عن الأمة الواحدة والشعب الواحد، لا يقر نظام الحزبية ولا يرضاه ولا يوافق عليه. غير أن الجماعة لا تهاجم رجال الأحزاب لأنها في حاجة إلى الجهد الذي يبذل في الخصومة والكفاح السلبي، لتنفقه في عمل نافع وكفاح إيجابي. وتدع حسابهم للزمن، معتقدة أن البقاء دائماً للأصلح.

قضايا العالم الإسلامي :

الاهتمام بقضايا العالم الإسلامي جزء أساسي من عمل الجماعة وفكرها. فنحن بالأساس دعوة عالمية تنبه الإخوان إلى قضايا العالم الإسلامي، وتطرح هذه القضايا على الناس نظرياً وعملياً، هادفة إلى:

1-     إحاطة الناس علماً بالقضايا الإسلامية.

2-     إيقاظ الروح الإسلامية لدى الناس.

3-     إيجاد وعي لدى الشعب بأعدائه وأعداء الإسلام.

4-     إقامة الدليل المادي الملموس على تواطؤ الحكومات المحلية مع القوى المعادية.

5-     جمع المساعدات المالية والتبرعات من الناس، كأسلوب من أساليب التأثير في نفوس الناس، وربط قلوبهم وعقولهم بالقضية واختبار مدى تجاوبهم معها، إضافة إلى كونه جهاداً مالياً.

الاصلاحية والتغييرية

بين النهجين : الإصلاحي والتغييري

مقدمة

من أعظم الأخطار على العمل الإسلامي أن لا يعرف العاملون منهجيّة عملهم، فيتخبّطون خبط عشواء ويُسيئون وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً (فكم من حركات بدأت قويمة وانتهت سقيمة – جماعة عباد الرحمن).

ولقد باتت الحاجة ماسّة إلى تحديد مؤصّل لمنهجية العمل الإسلامي حيال الأخلاط الشتى من المنهجيات الموغلة في هذا الجانب أو ذاك. فهناك استغراق في صلاح دون إصلاح، وهناك قفز إلى سلطة بدون إعداد، وهنالك غلوّ وتطرّف من غير وسطية أو اتّزان. من هذه الأخلاط:

المعطّلة: التي تعطّل الأسباب وتنتظر ظهور المهدي دون أن تنهض بأي عمل، مخالفة قوله صلى الله عليه وسلّم "ليس الإيمان بالتمنّي ولا بالتحلّي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل".

المخدّرة: التي تغالي في التصوّف وممارسة طقوس عبادية تخرج في كثير من الأحيان عن دائرة الشرع، مخالفة قول الله تعالى: }... ورهبانيّة ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها..{ الحديد - 27 .

المنفّرة: التي تعيش في دائرة مغلقة في الموضوعات التقليدية البعيدة عن واقع الحياة ومتطلبات العصر، وتنشغل بمحاربة البدع الصغيرة بدل المؤامرات الكبيرة، مخالفة قوله تعالى: }... ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك{ آل عمران - 159.

المكفّرة: التي تصدر الأحكام جزافاً بتكفير المخالفين لها وإخراجهم من الملّة، وقد تستبيح دماءهم، مخالفة قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا من بعدي كفاراً يلعن بعضكم بعضاً، ويضرب بعضكم رقاب بعض".

المستعجلة: التي تريد أن تقفز فوق السنن الإلهية لبلوغ أهدافها. وصدق الله تعالى حيث يقول: }إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً{.

الجزّارة: التي تتعطّش لسفك الدماء بزعمها أنه طريق الجهاد والشهادة، مخالفة في ذلك نهج الإسلام جملة وتفصيلاً الذي يقوم على الرحمة والحكمة والرفق }وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين{.

المنظّرة: التي تكتفي بتبيان رأي الإسلام وحُكمه في القضايا العارضة، مؤمنة بأن الثقافة والفكر هما طريق التغيير، غافلة عن قوله تعالى: }وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً{.

المسيّسة: التي تعتبر أن النضال والصراع السياسي هو الطريق الأقوم للإصلاح والتغيير، غافلة عن السنّة الإلهية من قوله تعالى: }إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم{ الرعد - 11.

القبوريّة: التي تكتفي بإصلاح شأن أتباعها بعيداً عن واقع الحياة وساحات الصراع بحجة التزامها بقوله تعالى: }... كفّوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة{ النساء - 77.

المتطرّفة: التي تأبى الاعتدال والوسطية، وتحرص دائماً على الغلوّ والتنطّع والإفراط والتفريط، مخالفة كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه التي تحذّر من ذلك، من ذلك قوله r: "ألا هلك المتنطّعون"، "ما خيّر رسول الله بين أمرين إلا واختار أوسطهما".

ماذا نعني: بالمنهجيّة الإصلاحية والمنهجيّة التغييريّة؟

المنهجية الإصلاحية: هي التي تعتمد إصلاح الواقع وتجميله وتحسينه وترميمه دون اللجوء إلى تغييره، فهي تدعو إلى إشاعة الحريّة وصيانة الديمقراطية وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، وهي تطالب بإصلاح المناهج التعليمية والبرامج الإعلامية... إلخ، على قاعدة }إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله{.

المنهجيّة التغييريّة: هي التي تعتمد تغيير الواقع تغييراً جذرياً، فترفض أنصاف الحلول وتأبى الترقيع. ولهذه المنهجيّة مدرستان:

الأولى: تعتمد التغيير الجذري بدون مقدمات، وترفض الإسهام في أي عمل إصلاحي تحت سقف الواقع الجاهلي. فلا مشاركة في نقابات أو بلديات أو برلمانات أو حكومات أو غيرها. وعلى قاعدة أن }الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم{.

الثانية: تنشدُ التغيير الجذري، إنما تعمل على تسخير كل الوسائل الإصلاحية المتاحة لبلوغ مرحلة التغيير:

- فهي لا تقفز في الهواء لتحقيق التغيير.

- ولا تسير إليه بدون أسباب ومقوّمات.

ثم هي في كلّ ذلك لا تركن إلى الواقع ناسية مهمتها التغييرية الأصيلة، مصداقاً لقوله تعالى: }ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار{ هود - 113، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي، نهاهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وآكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داوود وعيسى ببن مريم. ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون. فجلس رسول الله، وكان متّكئاً، فقال: والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق إطراً.

هل الإسلام منهج إصلاحي أم تغييري؟

* الإسلام منهج تغييري في مراميه وأهدافه البعيدة الإستراتيجية، وهو إصلاحي في خطواته المرحلية.

* والإسلام ليس منهجاً ترقيعياً لواقع الحياة، ويرفض أنصاف الحلول: عندما عرض المشركون على رسول الله أن يعبد آلهتهم شهراً ويعبدون إلهه شهراً، نزل قول الله تعالى: }قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد...{ الكافرون، (وعندما جاؤوه يعرضون عليه المال والملك والسلطان على أن يخفف من دعوته، نزل قوله تعالى: }فلذلك فادع واستقم كما أُمرت ولا تتّبع أهواءهم{ الشورى - 15.

* المضمون العقائدي للإسلام لا يقبل المرحلية، فلا تساهل في شهادة أن لا إله إلا الله، مصداقاً لقوله تعالى: }إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء{ النساء- 48، ومصداقاً لقول رسول الله "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإن قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقّها، وحسابهم على الله" البخاري ومسلم، وهو متواتر.

* المضمون التشريعي يمكن أن يتحقق تطبيقه بحسب الاستطاعة ومن خلال منهجية مرحلية تهدف بالنتيجة إلى تطبيق شرع الله وبلوغ التغيير الكلّي.

هل يجمع الإسلام بين المنهجيتين؟

- الإسلام يجمع بين المنهجيتين الإصلاحية والتغييرية.

- كل مقومات الإصلاح وخطواته يجب أن تخدم المشروع التغييري.

- المطالبة بالحرية والعدالة والمساواة ليست بديلاً عن شرع الله.

- الديمقراطية ليست بديلاً عن نظام الشورى.

- دولة الإنسان ليست بديلاً عن دولة الإسلام.

- حلف الفضول ليس بديلاً عن الحكم الإسلامي.

- الجماعة الإسلامية ليست بديلاً عن الدولة الإسلامية.

- الساحة الإسلامية ليست بديلاً عن الأُمّة الإسلامية.

 

ما هي منهجيّة الإمام الشهيد حسن البنّا؟

ذكر الإمام الشهيد أن من خصائص الدعوة التدرج في الخطوات، وحدد مراحل كل دعوة بثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج. (1 و2).

المرحلة الأولى: دعوة العامة

هدفها: تربية الأمة، وتنبيه الشعب، وتغيير العرف العام، وتزكية النفوس، وتطهير الأرواح، وإذاعة مبادىء الحق والجهاد والعمل والفضيلة بين الناس (3).

وسائلها:

1- إقامة الدروس والمحاضرات والخطب والمقالات والوفود والرحلات والمجامع والزيارات وغيرها (4)، وهذه من وسائل التعريف.

2- استخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد وضم بعضها إلى بعض (5)، وهي عملية التكوين. ومن وسائلها الأسر والكتائب وفرق الكشافة والجوالة والرياضة وغيرها (6).

3- القيام بأعمال البر والخدمة العامة من بناء المساجد وعمارتها، وفتح المدارس والمكاتب والإشراف عليها، وإنشاء الأندية، والإصلاح بين الناس في القرى والبلدان، والتوسط بين الأغنياء الغافلين والفقراء المعوزين بتنظيم الإحسان وجمع الصدقات لتوزع في المواسم والأعياد (7)، وإنشاء المؤسسات، والقيام بسائر الخدمات الاجتماعية (8). وهي من وسائل التنفيذ بمفهومه العام، وتعتبر جزءاً من عملية التعريف ذاتها (9).

المرحلة الثانية: دعوة الخاصة

هدفها: إيصال الدعوة إلى المسؤولين من قادة البلد وزعمائه ووزرائه وحكّامه وشيوخه ونوابه وأحزابه، ودعوتهم إلى مناهج الجماعة، ووضع برنامجها بين أيديهم، ومطالبتهم بأن يسيروا بمصر في طريق الإسلام في جرأة لا تردد معها، وفي وضوح لا لبس فيه، ومن غير مواربة أو مداورة. فإن أجابوا الدعوة وسلكوا السبيل إلى الغاية آزرناهم، وإن لجأوا إلى المواربة والروغان كنا حرباً على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعتمل على نصرة الإسلام ولا تسير في الطريق لاستعادة حكم الإسلام ومجده (10).

ومن أمثلة هذا النشاط: تأليف لجان دستورية وقانونية وغيرها لدراسة النظم القائمة، والموازنة بينها وبين النظم الإسلامية، وبيان نواحي الخلاف معها.

المرحلة الثالثة: إقامة الدولة

وهي مرحلة لم تنتقل إليها الجماعة في عهد الإمام الشهيد بشكل كامل، وإن كان من إرهاصاتها محاولتا ترشيح الإمام الشهيد لمجلس النواب عامي 1942 و 1944. أما دخول حرب فلسطين، فرغم كونه مؤشراً واضحاً، إلا أن اغتيال الإمام الشهيد عقب الحرب لم يترك فرصة أمام الإمام الشهيد لتحديد خطوات هذه المرحلة.

ومهما يكن الأمر، فإننا نستطيع أن نستخلص من رسائل الإمام الشهيد الملامح التالية لمرحلة إقامة الدولة:

هدفها: تحرير الوطن من كل سلطان أجنبي غير إسلامي، سياسي أو اقتصادي أو روحي، وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، عن طريق النصح والإرشاد، فإن أبت فالخلع والإبعاد (11).

المرحلة الرابعة: إعادة الخلافة

وهي مرحلة وضع الإمام الشهيد خطواتها بشكل نظري، فبيّن أنه عندما تقوم الحكومات الإسلامية في مختلف بلدان العالم الإسلامي، لا بد من حصول تعاون ثقافي واجتماعي واقتصادي بين الشعوب الإسلامية كلها. يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات، وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد. ثم يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية. حتى إذا تم ذلك للمسلمين، نتج عن هذا الاجتماع على الإمام الذي هو واسطة العقد ومجتمع الشمل ومهوى الأفئدة (12)..

منهجية البنا في التعامل مع الحكومة:

يقول الإمام البنّا: هناك جملة قواعد تحكم سياستنا مع الحكومة. وهو ما بدأ الإمام الشهيد بتنفيذه ابتداءً من مرحلة دعوة الخاصة (13).

1- نحن لا نطلب الحكم لأنفسنا، فإن وجدنا من الأمة من يستعد لحمل هذا العبء وأداء الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني، فنحن جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم نجد فالحكم من منهاجنا، وسنعمل لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أمر الله (14).

2- نحن نتقدم إلى الحكومة ببرامج الإصلاح (15)، ونخاطب الحكومة بلسانها وبالأدب الرسمي حرصاً على تأليف القلوب (16). وقد يقتضي الإصلاح التوجه بالخطاب إلى غير المسلمين، ومع هذا فلا بد من لزوم أدب المخاطبة دون تذلل.

3- ورغم كل هذه المجهودات، فإننا نعلم أن الذين تربّوا في أحضان الأجانب ودانوا بفكرتهم يصعب استجابتهم، ولا نتوقع أن يكون هناك أثر عملي لمطالبنا. فإن قوماً فقدوا الإسلام في أنفسهم وبيوتهم وشؤونهم الخاصة والعامة لأعجز من أن يفيضوه على غيرهم ويتقدّموا بدعوة سواهم إليه، وفاقد الشيء لا يعطيه. وإنما المطلوب الوصول إلى إنشاء الجيل الجديد الذي يتربى على الإسلام (17). ومع هذا فسنظل في موقف الناصح حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين (18).

يتابع ويقول الإمام البنّا: "وقد يتقدّم الإخوان إلى الحكومة بعرض خدماتهم لوضع مطالبهم موضع التنفيذ (19)، إلا أن هذه الأعمال كلها يجب أن تبقى محكومة بالقواعد الشرعية، فلا نشارك في منكر بحجة السياسة" (20و21).

5- وقد تتعرض الجماعة إلى الكيد من الحكومة بعد انطلاقها في العمل السياسي، فعلى الجماعة أن تلين مواقفها وتحاول أن تجعل الزوابع تمر بشيء من الانحناء يمس ظاهر كرامتها، إذا رأت القيادة فيه الخير الآجل (22).

منهجيّة البنّا والوسائل:

فيما يلي يبيّن الشهيد حسن البنّا رأيه في الوسائل المعتمدة للتغيير:

النضال الدستوري: بأن يتقدم مرشحو الجماعة لتمثيل الأمة في الهيئات النيابية، فيرتفع صوت الدعوة في الأندية الرسمية وتناصرها، وتنحاز إليها القوة التنفيذية (23).

الثورة: الثورة أعنف مظاهر القوة، ولكنها ليست من وسائل الإخوان، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها (24و25).

القوة: القوة شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته، وأول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعد ذلك قوة الساعد والسلاح. ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفّر لها هذه المعاني جميعاً. وإنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك (26).

استخدام القوة: القوة لا تكون أول علاج وإنما آخر دواء، ومن الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة ونتائجها الضارة وما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف، ولا يصح أن يستخدم الإنسان القوة وليكن بعد ذلك ما يكون.

والجماعة لا تلجأ للقوة إلا مضطرة، وإنما تستخدم القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وبعد أن تثق أنها استكملت عدّة الإيمان والوحدة. وإذا استخدمت القوة فستكون الجماعة شريفة صريحة، تنذر أولاً، وتنتظر بعد ذلك، ثم تُقدم في كرامة وعزة، وتتحمل كل نتائج هذا الموقف، ولا تلقي التبعة على غيرها، وهي واثقة عندئذ بنصر الله (27).

الخلاصة:

نخلُص من كل ما تقدّم إلى ما يلي:

1- أن الإسلام منهج تغييري يشمل كل جوانب الحياة.

2- وأن لا حرج من اعتماد كل الخطى الإصلاحية طالما أنها تؤدّي بالنتيجة إلى تحقيق التغيير المنشود، شريطة موافقتها للشرع.

3- وأن منهجيّة الشهيد حسن البنّا متوافقة بشكل كامل مع طبيعة الإسلام ومنهجه، وبالتالي مع منهجيّة الرسول صلى الله عليه وسلم.

4- وأن منهجيّة البنّا ترفض اعتماد (الثورة) طريقاً لتحقيق التغيير الإسلامي.

5- وأن هذه المنهجيّة لا تلجأ إلى استخدام القوّة إلا ضمن شروط وضوابط محدّدة وصارمة.

6- وأنها تعتمد "النضال الدستوري" أي التغيير من خلال المؤسسات الدستورية (كالبرلمانات والحكومات، وكل مؤسسات المجتمع المدني) كما ورد في رسالة المؤتمر.

وآخر دعوانا أن الحمد رب العالمين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مراجع:

(1) رسالة المؤتمر الخامس: الرسائل ط1: 159 - 160/ الرسائل ط2: 125 - 126/ الأصول 47-48.

(2) رسالة التعاليم: الرسائل ط1: 274/ الرسائل ط2: 352.

(3) المذكرات 142.

(4) هل نحن قوم عمليون: الرسائل ط2: 66.

(5) رسالة التعاليم: الرسائل ط1: 274/ الرسائل ط2: 362.

(6) رسالة المؤتمر الخامس: الرسائل ط1: 160/ الرسائل ط2: 126/ الأصول 48.

(7) دعوتنا في طور جديد: الرسائل ط1: 123/ الرسائل ط2: 240.

(8) هل نحن قوم عمليون: الرسائل ط2: 64 - 66.

(9) رسالة التعاليم: الرسائل ط1: 274/ الرسائل ط2: 362.

(10) المذكرات 142.

(11) رسالة التعاليم: الرسائل ط1: 272 - 273/ الرسائل ط2: 360 - 361.

(12) رسالة المؤتمر الخامس: الرسائل ط1: 178 - 179/ الرسائل ط2: 144 - 145/ الأصول 66 - 67.

(13) المذكرات 90.

(14) رسالة المؤتمر الخامس: الرسائل ط1: 171/ الرسائل ط2: 137/ الأصول 59.

(15) نحو النور: الرسائل ط1: 56 - 78/ الرسائل ط2: 272 - 294.

(16) المذكرات 152 - 153.

(17) الإخوان المسلمون تحت راية القرآن: الرسائل ط1: 105/ الرسائل ط2: 197.

(18) رسالة المؤتمر السادس: الرسائل ط2: 214/ الأصول 92.

(19) المذكرات 260 - 266.

(20) المذكرات 16 - 17.

(21) عبد الحليم 148.

(22) عبد الحليم 304 - 308.

(23) رسالة المؤتمر: الرسائل ط2: 213/ الأصول 90.

(24) رسالة المؤتمر السادس: الرسائل ط2: 212 - 213/ الأصول 90 - 91.

(25) رسالة المؤتمر الخامس: الرسائل ط1: 170/ الرسائل ط2: 136/ الأصول 58.

(67) و(27) رسالة المؤتمر الخامس: الرسائل ط1: 169 - 170/ الرسائل ط2: 135 - 136/ الأصول 57 - 58.

الجهادية في منهجيته

الجهادية في منهج الامام الشهيد حسن البنا


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته وسار على طريقته واتبع سنته الى يوم الدين .

وبعد : فيحلو للبعض أن يغمز من قناة الامام الشهيد حسن البنا وجماعة الاخوان المسلبمين ، نافيا عنهم الصفة الجهادية والصبغة  الميدانية ، وبأنهم  نظريون غير عمليين ؟

ومن هنا كانت  هذه اللفتة السريعة :

لقد افرد الامام الشهيد رسالة خاصة للكلام عن الجهاد    عنوانها [ رسالة الجهاد ] ختمها بقوله [ ان الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة، يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة . فاعملوا للموتة الكريمة تظفروا بالسعادة الكاملة . رزقنا الله واياكم كرامة الاستشهاد ]

ولقد استجاب الله دعاءه الصادق، واكرمه بالشهادة بقرار من الاحتلال البريطاني نفذه الملك فاروق وزبانيته من رجال المخابرات الذين امطروه بوابل من الرصاص في اكبر ميادين القاهرة ، وامام دار الشبان المسلمين  بتاريخ 12 شباط      1949  / 1368 هـ .

ان النزعة الجهادية استقرت كعقيدة في صلب منهجية الامام البنا  ،  والمحاضن التربوية لحركة الاخوان المسلمين ، وباتت شعارات يرددونها في كل مناسبة [ الجهاد سبيلنا + الموت في سبيل الله اسمى امانينا ]

ثم ان الامام البنا وحركة الاخوان المسلمين قاموا   بترجمة هذه الشعارات  الى واقع جهادي فعلي  في ارض المعركة ، انما لم تكن معركتهم مع الداخل، بل مع اعداء الله  من البرطانيين الذين احتلوا مصر وعاثوا فيها فسادا ، ومع الصهاينة في ارض فلسطين .

والحقيقة ان جماعة الاخوان المسلمين  كتبوا  بدمائهم وشهدائم ملحمتين  اثنتين : الاولى > يوم  خاض شبابهم ورجالهم  الحرب ضد قوات الاحتلال البريطاني في قناة السويس عام  1951 ، والثانية > يوم  تصدت كتائبهم لليهود في فلسطين عام 1948  .

رحم الله الامام الشهيد .. المجدد  ،  والمجاهد  ،  الداعية القرآني ، والسياسي الرباني ،  محيي سنة الوسطية على الساحة الاسلامية  ، ومنقي عقيدة التوحيد  مما ادخل عليها من الضلالات البدعية ،  ورحم الله سائر المجددين  من ائمة  وعلماء ودعاة وشهداء ومصلحين  ،  الذين ذبوا عن حياض هذا الدين ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .   وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

السبت 21رجب 1423هـ  / الموافق 28 أيلول 2002 م

باحثة ألمانية تعيد ..

باحثة ألمانية تعيد اكتشاف الغرب لكبرى الحركات الإسلامية

حسن البنا ليس أباً للأصولية بل مؤسس أول حركة اجتماعية عربية حديثة

تأثير الإخوان ملحوظ على التطورات الاجتماعية والثقافية في العالم الإسلامي أجمع

فيينا - خدمة قدس برس (30/06/03)

(حسام شاكر) – جريدة الأمان

أكدت باحثة ألمانية أنّ "الإخوان المسلمين" يمثلون قوة سياسية واجتماعية هامة في المنطقة العربية الإسلامية ككل، مشددة على أنّ حسن البنا ليس أباً للأصولية بل هو مؤسس أول حركة اجتماعية عربية حديثة.

وتشدد الباحثة إيفيزا لوبن على أنّ جماعة الإخوان المسلمين أثّرت، ومؤسسها حسن البنا، تأثيرات حاسمة على الخطاب الإسلامي، كما كان التأثير الإخواني ملحوظاً على التطورات الاجتماعية والثقافية والأيديولوجية في العالم الإسلامي أجمع.

وكانت الباحثة الأكاديمية إيفيزا لوبن قد ألقت محاضرة في القاهرة مؤخراً بهذا المضمون، في إطار فعالية الهيئة الألمانية للتبادل العلمي، أقيمت تحت عنوان "تجارب الإصلاح وحوار حول أوجه الإصلاح المختلفة في العالم العربي". كما نشرت أطروحتها هذه في موقع على الإنترنت ترعاه الحكومة الألمانية.

الانتخابات المصرية الأخيرة ودلالاتها

وتشير إيفيزا لوبن إلى أنّ "الانتخابات البرلمانية المصرية (التي جرت) في تشرين الثاني (نوفمبر) 2001 جاءت بأكبر المفاجآت للمراقبين، ألا وهي النجاح المعقول نسبياً للإخوان المسلمين".

فبالرغم من ما سمته "التدخلات الضخمة لقوات الأمن، وأيضاً رغم حملة الاعتقالات الجماعية والمحاكمات التي استهدفت أعضاء الجماعة منذ منتصف التسعينيات، والتي غالباً ما طالت أنشط الكوادر الوسيطة؛ حصل الإخوان على سبعة عشر مقعداً في البرلمان. ومع أنّ هذا العدد لا يمثل سوى خمسة في المائة من مقاعد البرلمان، إلا أنه يزيد عما حصلت عليه أحزاب المعارضة مجتمعة"، كما تقول في المحاضرة التي نشر نصها الذي ترجمه إلى العربية الدكتور عبد السلام وحيد وراجعته الباحثة؛ في موقع ثقافي جديد على شبكة الإنترنت ترعاه الحكومة الألمانية.

وتلاحظ إيفيزا لوبن أنّ "لهذه النتيجة قبل كل شيء معنى رمزياً، يتجاوز كثيراً الوزن البرلماني الفعلي للإخوان المسلمين. فقد كشف هذا للرأي العام أنّ الإخوان يمثلون القوة المعارضة الوحيدة الحقيقية في مصر. بل يمكن القول أنها القوة الوحيدة الفاعلة اجتماعياً، التي تتمتع بنفوذ جماهيري يتجاوز حدود النخبة السياسية والثقافية في مصر، وهذا بالرغم من الحظر الذي فرض عليها منذ أيام عبد الناصر ولمدة تزيد عن نصف قرن من الزمان"، كما تذكر.

وما يسترعي انتباه الباحثة أنه "إذا ما أخذنا بالاعتبار أنّ عدد الأعضاء العاملين بالإخوان بلغ نحو نصف مليون عضو في نهاية الأربعينيات؛ فإنها تمثل منذ ذلك الحين وحتى الآن أقوى المنظمات المستقلة في تاريخ مصر الحديثة، وإحدى أقوى الحركات الجماهيرية في الشرق الأوسط".

قوة سياسية واجتماعية هامة في المنطقة

لا تتردد لوبن في الإقرار بأنّ "الإخوان المسلمين لا يمثلون قوة سياسية واجتماعية هامة في مصر فحسب؛ بل في المنطقة ككل"، على حد تعبيرها.

وعلاوة على إشارتها إلى "وجود تنظيمات إخوانية، شرعية (مُشرّع لها قانوناً بالعمل) أو غير شرعية، في بلدان كثيرة؛ من أهمها التنظيمات الموجودة في سوريا ولبنان والكويت واليمن والسعودية والجزائر والمغرب والسودان"، فإنها تلفت الانتباه أيضاً إلى "أنّ الكثير من إخوان الجيلين الأول والثاني يعملون كمستشارين سياسيين في العديد من البلاد الإسلامية من المغرب وحتى ماليزيا. ومن بين الإخوان أعضاء مؤسسون في الشبكات الدولية للبنوك الإسلامية. ومن بين هذين الجيلين أيضاً من بنى مؤسسات الإغاثة الإسلامية العاملة على المستوى العالمي. ومن بينهم أيضاً من وضع أسس تيار أسلمة العلوم، خاصة في ماليزيا والولايات المتحدة الأمريكية. فضلا عن التأثير الحالي الملحوظ للإخوان المسلمين على الجاليات الإسلامية في أوروبا والولايات المتحدة".

وفى ما يتعلق بالواقع في مصر، فإنّ لوبن تلاحظ أنّ "أولئك المتأثرين سياسياً وأيديولوجيا بتيار الإخوان المسلمين، سواء كانوا ملتزمين بفكر الجماعة أو مجرد متعاطفين معها، وبغض النظر عن طبيعة العلاقات التي تربطهم بالقيادة الحالية للجماعة؛ يضطلعون بأدوار هامة سواء في النقابات المهنية أو في المساجد أو البنى الاقتصادية أو كمثقفين أو أعضاء في السلك القضائي أو في الشبكات الاجتماعية غير الرسمية"، حسب قولها.

وتمضي لوبن إلى القول "لقد أثّرت حركة الإخوان المسلمين ومؤسسها حسن البنا تأثيرات حاسمة على الخطاب الإسلامي. ومن خلال هذا أثّروا (الإخوان) تأثيراً ملحوظاً على التطورات الاجتماعية والثقافية والأيديولوجية في العالم الإسلامي أجمع. وفى غالب الأحيان حدثت هذه التأثيرات دون الرجوع علنا إلى اسم الجماعة أو الاعتماد على حسن البنا. فالخطاب يميل عادة إلى إعادة إنتاج نفسه تاركا خلفه المؤلف في دائرة النسيان"، وفق تعبيرها.

فجوة بحثية ومعرفية في الغرب عن الإخوان

قبل أن تقدم لوبن فرضياتها الخاصة؛ عمدت إلى تسجيل بعض الملاحظات النقدية على ما تم تقديمه بشأن الإخوان المسلمين في الأوساط الأكاديمية والثقافية والإعلامية حتى الآن في الغرب وكذلك في العالم العربي، وخاصة مصر.

وأولى هذه الملاحظات تتمثل في إبداء الباحثة لاستغرابها لأنه "على عكس المتوقع، لا تكاد توجد أية كتابات (...) (عن الإخوان وتاريخهم ومبادئهم وتوجهاتهم ومواقفهم) خارج العالم العربي. فهناك فيض من الكتابات حول الإسلام كدين، والإسلام السياسي، والأصولية الإسلامية، والإرهاب الإسلامي، والمرأة والإسلام .. إلخ، بينما لا يتجاوز عدد الدراسات التي يمكن أخذها بجدية حول أهم واكبر حركة إسلامية جماهيرية في القرن العشرين عشر دراسات تقريباً"، كما تقول.

وتضيف لوبن قولها "صحيح أنّ الكثير من الكتب التي تتناول موضوع "الأصولية الإسلامية" تتناول ضمنياً جماعة الإخوان المسلمين في عدة صفحات أيضاً؛ لكن إذا ما دققنا النظر قليلاً سنجد أنّ أحداً لم يكد يرجع إلى المصادر الأصلية العربية، كرسائل حسن البنا ذاتها على سبيل المثال، فالكل ينقل عمن سبقه، وبالتالي يبتعد الخطاب المُصاغ حول الإخوان المسلمين أكثر فأكثر عن الواقع التاريخي الفعلي. ويظل العمل الموسوعي الوحيد المتوفر عن هذا الموضوع حتى الآن هو رسالة الدكتوراه التي أعدها ريتشارد ميتشيل Richard Mitchell في نهاية الستينيات، وقد ترجمت إلى لغة واحدة فقط وهي العربية"، بحسب الباحثة.

وتستنتج إيفيزا لوبن من خلال ذلك أنّ "هناك إذن فجوة بحثية ومعرفية واضحة حول حركة الإخوان ومؤسسيها، سواء في الأدبيات العلمية أو في وسائل الإعلام. وعادة ما يتم ملأ هذه الفجوة بتخمينات وأسطرة إسقاطات متعسفة"، على حد وصفها.

بين فرضية التهميش .. وإسقاط العام على الخاص

تطرقت الباحثة إلى عدة أمثلة انتقدت من خلالها تناول الباحثين في الغرب، وحتى بعضهم في العالم العربي، لجماعة الإخوان المسلمين. ومن بين ذلك إشارتها إلى أنّ "فرضية التهميش كانت، ومازالت، إحدى النماذج التفسيرية المفضلة بصدد تحليل نشأة الجماعات الإسلامية الراديكالية. فوفقاً لهذا النموذج التفسيري تجتذب الأصولية صبية مهمّشين، وشباباً لا يتوفر لهم أفق للتحقق في المستقبل. ووفقاً لهذا المنظور تبدو الأصولية أيديولوجية حثالة البروليتياريا والبرجوازية الصغيرة المحبطة".

وتستطرد إيفيزا لوبن فتقول "ينطلق رينهارد شولتسه Reinhard Schulze مثلاً، الذي يُعدّ أحد الدارسين الجادين للإسلام في المناطق المتحدثة بالألمانية، من هذه الفرضية، وذلك في سياق حديثه عن نشأة الإخوان المسلمين. فحسن البنا، طبقاً لما أشار إليه شولتسه في دراسته عن الإسلام في القرن العشرين؛ كان مُحبَطاً لأنه لم يحصل بعد تخرجه سوى على وظيفة مدرِّس في الإسماعيلية، أي في أحد الأقاليم وليس في القاهرة. ومن ثم يعتبر شولتسه أنّ تجربة الإحباط هذه، وإحباطات أخرى متعلقة بطفولته؛ كانت أحد العوامل الذاتية التي دفعته لتسييس الإخوان المسلمين"، كما تنقل عنه بتعجب.

وتعقِّب الباحثة الألمانية على ذلك بالقول "سوف تختلف الصورة تماماً عما ذكره شولتسه؛ إذا ما قرأنا الخطابات التي أرسلها حسن البنا ابن الثالثة والعشرين من الإسماعيلية إلى والده. فالشاب كان فخوراً بحصوله على راتبه الأول، ومن ثم طلب حضور أخيه الأصغر إلى الإسماعيلية حتى يعتني بتربيته ويخفف من حمل والديه. واستطاع البنا فضلاً عن ذلك أن يندمج وبسرعة في النخبة المحلية للإسماعيلية، وأن يتزوج من ابنة أحد التجار المرموقين بالمدينة"، وتقطع لوبن جراء ذلك بخطأ نظرية شولتسه، "فالأمر إذن أقرب إلى أن يكون قصة نجاح وليس إحباطا كما أشار شولتسه".

ثم تلاحظ الباحثة الألمانية أنه "في أعمال أخرى يتم إسقاط الموضوعات الإسلامية العامة على الجماعات المفردة. فاندرياس ماير Andreas Meier، الذي حرّر بالألمانية مجموعة من نصوص مصادر الحركات الإسلامية، يطرح السؤال الآتي: لماذا تمكنت الناصرية من الهيمنة الأيديولوجية مقارنة بالبرنامج الإسلامي للإخوان؟. وتقول إجابته: إنّ الإخوان أرادوا أن تكون حركة التحرر من الاستعمار البريطاني في إطار الخلافة العثمانية التي يجب استعادتها، بينما أراد الضباط الأحرار أن يكون هذا التحرر في إطار الدولة القومية، وفى النهاية نجحت خطتهم الأقرب إلى الواقع".

بدورها تعلق لوبن على ذلك بإثارة التساؤل "إذن هل كان الهدف الحقيقي للإخوان هو استعادة الخلافة؟!"، دون أن تتردد في الإدلاء بدلوها في الإجابة بالقول "صحيح أنّ قضية الخلافة كانت موضع نقاش حيوي في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي؛ لكن الإخوان كانوا بعيدين عن تلك الحوارات بل وتجاهلوها. ولقد ناقشها البنا في صياغات حذرة ومهذبة، وهو الأسلوب الذي اعتاده البنا في تعامله مع خصومه وحلفائه على السواء؛ دون استخدام هجوم لفظي قاس"، كما تذكر له.

واستطردت لوبن مضيفة "نقول إنّ البنا ناقش مسألة عودة الخلافة في المؤتمر العام الخامس (للإخوان المسلمين) عام 1939 بوصفها أمراً غير واقعي، محيلاً إياها إلى مقعد انتظار التاريخ حتى لا يُعاد الحديث عنها مرة أخرى. ولدينا الكثير من الأمثلة لهذا النوع من الاستقراء المنطقي وتعميم العام على الخاص".

وتشدِّد الباحثة على أنّ "هذا التعميم يصبح وخيم العاقبة في الحوارات العامة بعد 11 أيلول (سبتمبر)، وبالتحديد فيما يخص قضية العنف. ففي أغلب الدول الغربية ترسخ تصور يأخذ بهذا التطابق السهل: الإسلامية = الأصولية = العنف. وعلى أساس مثل هذه الصورة رأى بعضهم أنه من المشروع اتخاذ مواقف تمييز بدون تفرقة ضد كل أشكال الإسلام السياسي وتجريمها في المجال العام، بل أخذ الرأي العام نفسه يطالب بذلك". ولفتت الكاتبة الأنظار في هذا السياق، على سبيل المثال، إلى الحوارات المتعلقة بإمكانية حظر جماعة "ملِّى غوروش" التي قالت إنها قريبة من الإخوان المسلمين، والتي تعد أكبر جماعة إسلامية تركية في ألمانيا.

مشكلات البحث في الشأن الإخواني .. وتناقضات رفعت السعيد

ولدى انتقال إيفيزا لوبن إلى المناظرات الجارية في مصر؛ قالت إنها تجد نفسها إزاء معضلة من نوع آخر، "فلقد صدر في مصر، ولازال يصدر، عدد لانهائي من الكتب حول جماعة الإخوان في مراحلها الأولى. لكن نشر أكثر هذه الكتب يُعدُّ جزءاً من الصراعات السياسية الحالية، لذا تكون تلك الكتب مؤدلجة بشدة. والقليل من هذه الأعمال ما يلتزم بالمعايير العلمية. وتأتى هذه المؤلفات لتبرير الموقف السياسي الخاص بالمؤلف، سواء كان مع الإخوان أو ضدهم".

وتسجل الباحثة أنّ هذا ما أدى إلى "أشياء متناقضة ومثيرة للضحك بمعنى الكلمة أحياناً". ومن بين الأمثلة التي توردها ما يتمثل في رفعت السعيد، السكرتير العام لحزب التجمع اليساري، وأحد أبرز من انتقد حركة الإخوان. "فعندما يتحدث (السعيد) إلى مستمعيه اليساريين فإنه يتهم الإخوان بأنهم كانوا عملاء للبريطانيين. وهنا يشير إلى اتصالات جماعة الإخوان المسلمين بالسفارة البريطانية إبان الحرب العالمية الثانية. وعندما يريد أن يبرِّر مطاردة الحكومة لأعضاء الجماعة، فإنه يشير إلى الهجمات التي قام بها بعض الإخوان في الأربعينيات على المؤسسات البريطانية وعلى العناصر المؤيدة للبريطانيين، وذلك بهدف التدليل على الجذور الإرهابية للجماعة"، على حد ما تقول لوبن.

وترى الباحثة أنّ "هناك أيضاً مشكلة بحثية أخرى تتعلق بالمنهجيات المستخدمة؛ فالأبحاث حول الحركات الاجتماعية، والنقابات المهنية والتيارات الشبابية، أو حول تغيرات الخطاب السياسي، يتم عادة إنجازها داخل حقل البحث الاجتماعي. ولأجل ذلك تم تطوير أدوات بحثية كاملة سواء للدراسات النظرية أو الإمبريقية. أما الأبحاث حول الحركات الإسلامية فقد بقيت في الغالب خارج حقل السوسيولوجيا، إذ تم التعامل معها على أنها حكر للعلوم الإسلامية التي تعتبر نفسها علوم فقه- لغوية تستهدف النص فحسب، وتميل بالتالي إلى النظر إلى كل الظواهر الاجتماعية في البلدان الإسلامية من خلال منظور ديني".

وتؤكد الباحثة الألمانية، التي تنتشر في بلادها العشرات من معاهد العلوم الإسلامية والدراسات الشرقية ضمن نطاق الجامعات والمؤسسات الأكاديمية، أنه "كثيراً ما لا توجد لتلك العلوم الإسلامية أية علاقة بالواقع الاجتماعي الذي تنشأ وتتطور فيه الحركات الإسلامية وما تنتجه من خطاب، وعليه لا يصبح بإمكان تلك العلوم الإسلامية تفسير المعنى الاجتماعي لهذا الخطاب"، على حد تقديرها.

حركة اجتماعية حديثة

وبعد أن تزيح الباحثة من طريقها الكثير من الأحكام المسبقة؛ تبدأ في تقديم قراءتها لجماعة الإخوان المسلمين بوصفها "حركة اجتماعية حديثة". وتلاحظ ابتداء أنّ "حسن البنا أسّس جماعة الإخوان المسلمين (...) عام 1928 في مدينة الإسماعيلية. وكانت الإسماعيلية آنذاك مقراً لشركة قناة السويس التي يسيطر عليها البريطانيون. من هنا كانت المدينة في نظر الكثير من المصريين رمزاً للوجود الاستعماري بحي فيلاّت الأجانب والأحياء الفقيرة التي تأوي العمال وأسرهم من أبناء البلد".

وتربط الباحثة هذه الظروف بما ظهر بوضوح في ما قالت إنه "قسم الولاء لأول مجموعة إخوانية"، وحسب الاستنتاجات التي تستخلصها لوبن؛ فقد كان الإمام حسن البنا يطمح إلى تأسيس نظام اجتماعي إسلامي ودولة إسلامية تقوم على قيم أساسية مثل "الأخوة" و"النهوض بالرجل والمرأة معا" و"تأمين الحق في الحياة والتعليم والملكية والعمل على العناية الصحية" وكذلك على "الحرية والأمن"، وهو ما شرحه في رسالة "بين الأمس واليوم". أما الاهتمام بالسياسة الخارجية فقد تمثل لديه بداية في تحرير مصر من نير الاستعمار، كما تسجل الباحثة.

وتمضي لوبن في مسعاها لتتبُّع ملابسات النشأة والامتداد، إذ "نمت جماعة الإخوان المسلمين في وقت قصير، حتى أصبحت نوعاً جديداً تماماً من التنظيمات الاجتماعية. ولم يأت هذا من فراغ؛ فلقد انطلق البنا من الأشكال الموجودة بالفعل للتنظيمات الاجتماعية بغرض إعادة صياغتها والوصول بها إلى مستوى أعلى للفاعلية والتدخل الاجتماعيين".

وتشير الباحثة في هذا المجال إلى أنه "في نهاية الأربعينيات أصبح لدى الإخوان المسلمين في كافة أنحاء البلاد مراكز يضمّ كلٌّ منها مسجداً ومدرسة، وكثيراً ما كان يضم أيضاً ورشاً لتشغيل العاطلين والنساء والفتيات. وكانت فرق الجوالة تنظم المسابقات الرياضية والرحلات والمعسكرات الصيفية. كذلك افتتحوا (الإخوان) مراكز صحية، وامتلكوا بعض الصحف ومطبعة وأسسوا بعض الشركات الاقتصادية في شكل شركات مساهمة. علاوة على ذلك قاد الإخوان أول حملة لمحو الأمية على مستوى مصر. كما وضعوا أنفسهم ضمن القوى التي تخوض حركة النضال ضد الاستعمار. من هنا تطور إحساسهم بأهمية دورهم حتى أنهم أرسلوا مصطفى مؤمن إلى نيويورك عام 1947 بوصفه صوت الشعب المصري في مشاورات مجلس الأمن حول مستقبل مصر"، كما تسرد الباحثة.

ولا تتردّد لوبن في تأكيد إحدى أهم الخلاصات الجوهرية في مشروعها البحثي، إذ تقول "في اعتقادي مثلت حركة الإخوان أول حركة اجتماعية حديثة في تاريخ مصر، سواء من حيث أساسها الاجتماعي، أو من حيث طروحاتها ومبادئها".

وتوضح الباحثة خلفية هذا الاستنتاج الهام بقولها؛ "فالحركات الاجتماعية نتاج للتغير ومنتجة له في الوقت ذاته. هكذا كتب يواخيم راشكا في عمله الأساسي حول الجماعات الاجتماعية. فهي من ناحية نتاج للمجتمعات الحديثة، فعمليات التصنيع ومحو الأمية والتمدين أفرزت إشكاليات لم يكن من الممكن التعامل معها من خلال الأشكال السياسية التقليدية أو المفروضة من قبل الدولة السلطوية ما قبل الرأسمالية. ومن ناحية أخرى تتمثل محاولة إنجاز هذا التغير الاجتماعي بوصفها فعلاً جماعياً نافذاً".

أما ما يميز جماعة الإخوان المسلمين في ذلك عن الحركات ما قبل الحديثة فهو، في تقدير الباحثة، "وضعها لأطر عقلانية الهدف والفعل. فالأهداف تُفهم من خلال أسبابها، إذ تُحدّد في سياق إيديولوجي شامل وتطوير استراتيجية عقلانية، قصيرة المدى وبعيدة المدى، لأجل التغلب على تردى الواقع"، كما تسجل الباحثة.

بروز الخطاب الإسلامي الحديث عبر "طبقة الأفندية"

وفي تحليلها لنشأة الجماعة تستدعي الباحثة الظرف الاجتماعي بإشارتها إلى أنّ "تأسيس الإخوان المسلمين جاء في عصر شهد تغيراً اجتماعياً سريعاً، وتكوُّن طبقة وُسطى ذات أفق برجوازي أطلق عليها "طبقة الأفندية". وكان ذلك في سياق توسع نظام التعليم الحكومي وجهاز الإدارة في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى. وتشمل "طبقة الأفندية" موظفي الجهاز الحكومي، والمدرسين، والأكاديميين أصحاب المهن الحرة مثل الأطباء والمحامين والتجار، وكذلك طلبة المدارس العليا".

وتضيف لوبن "ثم إنّ الأفندية المنحدرين غالباً من البرجوازية الصغيرة المدينية التقليدية، ومن الطبقة الوسطى في الريف؛ أخذوا يبحثون عن توسيع وجودهم تدريجياً داخل المجال العام الذي كان أعضاء الطبقة الأرستقراطية العليا "طبقة الباشوات" يهيمنون عليه حتى ذلك الوقت. هذا في الوقت الذي كانت فيه الجاليات الأجنبية تسيطر على الجزء الأكبر من الاقتصاد. من هنا كانت "طبقة الأفندية" ترى في نفسها طليعة الشباب الذين يتطلعون إلى امتلاك مستقبلهم".

وتلاحظ الباحثة أنّ "صعود هؤلاء الأفندية، الذين انتقلوا غالباً على المستوى الشخصي من تنشئة اجتماعية أسرية تقليدية إلى طريق حديث للصعود متضمناً تحوّل الخطاب السياسي؛ أدى إلى بروز أكبر للخطاب الإسلامي في الخطاب العام، لكن ذلك الخطاب الإسلامي لم يكن إسلام الأزهر أو الإسلام الشعبي. فالطبقة الوسطى الجديدة اعتبرت كلا الشكلين للإسلام أحد أسباب التخلف الاجتماعي للبلاد، من ناحية بسبب الجمود الأرثوذكسي للمذاهب الإسلامية الرسمية، ومن ناحية أخرى بسبب الاعتقاد في الخرافات اللاعقلانية للإسلام الشعبي"، بحسب تعبير لوبن.

وإذا كانت الباحثة قد رأت أنّ "الأفندية كانوا يريدون تحديث الإسلام وأسلمة التحديث حتى يجعلوها مقاربة لنموذجهم الفكري والثقافي الخاص"؛ فإنها تمضي إلى بيت القصيد عبر استنتاجها الذي مفاده أنّ "حسن البنا كان نموذجاً لطبقة الأفندية هذه. قضى طفولته في قرية المحمودية التي تقع في دلتا النيل وعلى أحد فروعه؛ فرع رشيد. وكان والده يعمل ساعاتياً، وفى أوقات فراغه يعمل إمام مسجد وعالماً خارج الهيئة الدينية الرسمية. فيما بعد انتقلت الأسرة إلى القاهرة كي يتمكن حسن، وكان الابن الأكبر بين خمسة أطفال، من مواصلة دراسته في كلية المعلمين الجديدة "دار العلوم"، ومنها انتقل إلى شغل وظيفته الأولى مدرساً في الإسماعيلية.

وعندما أنشأ البنا هناك جماعة الإخوان؛ كان لم يزل في الثالثة والعشرين من عمره. وعندما انتقل عام 1932 إلى القاهرة أصبحت جامعة فؤاد ذات الطبيعة العلمانية (جامعة القاهرة الآن) وليس الأزهر أو المعاهد الدينية مركز التجنيد الرئيس للجماعة"، حسب توثيق الباحثة لتطورات النشأة من خلال المحطات الفاصلة في حياة المؤسس.

وعطفاً على ذلك؛ تمضي الباحثة إلى الاستنتاج بأنّ "موجة صعود طبقة الأفندية انعكست على إيمان البنا بالتقدم. فقد دعا المسلمين إلى فهم القرآن بوصفه علامات هادية على طريق الفعل. لم يكن البنا يدعو إلى الرجوع إلى إسلام ماضوي، وإنما كان يدعو أتباعه إلى فهم القرآن بالتعمق في معانيه ومعايشتها فعلياً في حياتهم الاجتماعية. فالفهم، والعمل؛ مصطلحان يترددان بصفة دائمة في رسائله. لقد كان يدعو إلى إحياء روح الإسلام وعزم الصحابة، والنظر أثناء ذلك إلى الأمام للمستقبل؛ بنفس التفاؤل الذي نظرت به الطبقة البرجوازية الأوروبية إبان صعودها"، على حد تعبيرها.

وتضيف لوبن "ينتشر مصطلح "النهضة الجديدة" أو "النهضة الحديثة"، التي ينبغي أن تشمل كافة جوانب الحياة، في كل كتابات حسن البنا. ومن هنا يتحدث بصورة متبادلة عن "التقدم" و"الرقى" و"العمران" و"بناء المستقبل" و"تكوين الأمة". والتطلع، على سبيل المثال، إلى نظام تعليمي "لرجل المستقبل" الذي سيحمل "النهضة الحديثة" على كتفيه".

أحلام اليوم حقائق الغد

في ما يتعلق باجتياز النهضة بالنسبة لحسن البنا؛ تسجل الباحثة أنّّ "قضية التقدم تُنجز في مراحل متتابعة متعاقبة. فالأمم التي تتطلع، كما يرى البنا، إلى نهضة حديثة، لا بد وأن تجتاز مرحلة انتقالية تبنى فيها حياتها المستقبلية على أساس متين يضمن للجيل الناشئ الرفاهة والهناءة. وفى سياق عملية التقدم يتكامل المجتمع والعلم.

فقد أكد علماء الاجتماع أن حقائق اليوم هي أحلام الأمس، وأحلام اليوم هي حقائق الغد. فمحور تقدم الإنسانية وتدرجها مدارج الكمال هي حقائق أساسية. وقد أبرز البنا تفاؤله بالمستقبل مدركاً وملاحظاً أنّ الكثير من الاكتشافات والاختراعات العلمية المعروفة اليوم؛ كانت في العصور المبكرة غير ممكنة التصوُّر حتى لخيرة العلماء آنذاك. ومن خلال تبنيه لمفهوم التاريخ الخطي الصاعد، وكذلك من خلال انتقائه لمصطلحاته، يريد البنا أن يجد لمعانيه ومصطلحاته مكاناً في خطاب التحديث النهضوي القائم على التنوير"، حسب استنتاج الباحثة.

لكن، إذا كان قانون حركة التاريخ يُعدُّ عند البنا قانوناً عاماً وكونياً، كما تقول الباحثة؛ فإنه شدّد بالمقابل على ضرورة أن تعتمد نهضة الشعوب الإسلامية على نظام القيم الموحى به في القرآن، وعلى ربط روحانية الدين بالتطبيق العملي. إذ على هذه الشعوب أن تهتدي في نهضتها بالقيم الإسلامية الأساسية مثل العدل والأخوة، كما ينبغي عليها محاربة الفساد الأخلاقي وعدم السماح بخرق الحدود التي سنها القرآن، حسب ما تسجل أيضاً.

وساقت الباحثة الألمانية أمثلة تبين "كيف كان البنا يريد أن يطبِّق روح الإسلام على الحقل السياسي والاجتماعي". وقد سجلت في هذا السياق ملاحظة منهجية هامة "فبعض المؤلفين اتهموا البنا بأنه، مختلفاً في ذلك عن غيره من المفكرين الإسلاميين؛ لم يقدم نموذجاً سياسياً اجتماعياً شاملاً. وهنا يقع هؤلاء، فيما أرى، في سوء فهم لوظيفة أيديولوجية الحركات الاجتماعية"، حسب قولها.

وفي معرض تعزيز رؤيتها هذه تشير إلى ما كتبه راشكا، الذي أشير إليه من قبل، عن وظيفة أيديولوجية الحركات الاجتماعية: "إنها مثل خريطة للاهتداء بها في عالم شديد التعقيد. فالتبسيط، والتركيز على نقاط معينة تدفع الجوهري إلى مركز الاهتمام. فأيديولوجية حركة ما تبرز تناقضات معينة بوصفها أسباب لعدم الرضى، وتخطط صورة للواقع خالية من التناقضات. وترى الحركة بوصفها القوة الوحيدة لتجنب هذه التناقضات".

وتضيف الكاتبة من جانبها أنه "كذلك توجد أسباب أخرى تفرض على خطاب أي حركة اجتماعية أن يكون مفتوحاً؛ لا بد وأن يحدث الخطاب نوعاً من الاندماج والتكيف داخل الحركة، وأن يبني جسراً للتواصل مع حلفاء محتملين، وأن توجد لديه القدرة على تفهم واستيعاب الحركة التاريخية".

ولفتت الباحثة الانتباه إلى أنّ "حسن البنا أكّد آلية الإجماع الاجتماعي. وكان يفضل أن تُترك الأسئلة المتخصصة للمختصين. وسعى إلى إحياء مبادئ الإسلام، لكنه كان يؤمن في ذات الوقت بمبدأ الاختلاف ويدعمه علناً".

هل كان البنا أصوليا؟

في محطة أخرى حاسمة سيكون السؤال "هل كان البنا أصوليا؟"؛ بمثابة أحد الأسئلة الشائكة التي تتصدى لها الباحثة. ولا تكمن الجرأة في الإجابة على هذا السؤال بالنسبة لباحثة ناشئة في وسط يعجّ بمن يُعرفون في ألمانيا بـ"خبراء الإسلام" ومن بينهم من اتهمهم الوسط الأكاديمي المختص بترويجهم للأحكام المسبقة؛ بل تأتي الجرأة في مجرّد الإقدام على طرح السؤال ذاته على ما يعتبر من المسلّمات.

وبغض النظر عن ما "تعتبره كثير من الأدبيات من أنّ حسن البنا أبو الأصولية الإسلامية"، فإنّ الباحثة تطرح هذه التسمية للتساؤل. وتشدد لوبن، وعبر تعزيز استنتاجها بالأمثلة، على أنّ "البنا لم يكن يقف معترضاً طريق التحديث، ولم يكن يستنبط نموذجه الاجتماعي من المرجعيات النصية الدينية مباشرة. وبهذا المعنى أعتقد أنه لم يكن أصوليا"، على حد قولها.

ومن الواضح أنّ الباحثة توجهت إلى نقض صفة الأصولية ذات المنشأ الغربي، وهي الصفة المشبعة بالسلبية، وذلك بمعزل عن التطرق إلى صفة الأصولية من جهة التكوين الشرعي الإسلامي في علم أصول الفقه. ثم إنها تكون هنا قد حددت اختيارها باعتبار الأصولية متعارضة بالضرورة مع التحديث، وهي قضية يصعب حسمها طالما لم يُحدّد بدقة مفهوما الأصولية والتحديث المثيرين للجدل.

وأيا كان عليه الأمر؛ فإنّ الباحثة تنطلق إلى مزيد من الاستنتاجات التي تصبّ في ضوء الرؤية التي تدافع عنها بقوة، "ففي طروحاته في مجالي السياسة الاقتصادية والسياسة الاجتماعية، على وجه الخصوص، نجد البنا يشير باستمرار إلى روح الإسلام. فهو يدعو إلى نظام أخلاقي يقوم على الحق والعدل والأخوة، مشتقاً تلك القيم من الإسلام كما يتصوره. وفى تلك الحالات الخاصة التي يوجد بشأنها نص قطعي واضح الأحكام، يطالب البنا بالالتزام بها، والطريق إلى هذا الالتزام يكون برجوع الفرد إلى دينه والتطهر الروحي".

وبناء على ذلك ترى الباحثة أنّ "البنا يمثل الانتقال من التقليدي إلى الحديث، على اعتبار أنه انتقال تاريخي، وأنه انتقال أيديولوجي أيضاً. فهو يدخل إلى مفاهيم التحديث من خلال مصطلحات تقليدية، ويملأ في نفس الوقت المفاهيم التقليدية بمضامين حديثة، ويستبدل على نحو تدريجي جزءاً من المفاهيم التقليدية بمفاهيم حديثة. أما نقده للنماذج الاجتماعية الغربية فانه يبدأ عندما يتعلق الأمر بالأحكام الأخلاقية وبالوحي الإلهي حول الدولة والمجتمع"، كما تلاحظ الباحثة.

يبقى القول إنّ إيفيزا لوبن، التي درست السياسة والاقتصاد في مدينة بريمن الألمانية، ودرست العربية في دمشق، وعملت ولسنوات طويلة صحفية حرة؛ قد نجحت على ما يبدو في قطع منتصف الشوط المعاكس للتجاهل القائم والأحكام التعسفية السائدة بعد أن عبّرت عن رؤيتها هذه، التي تمثل تطوراً نوعياً في فهم متقدم ومختلف للحالة الإسلامية في المنطقة الناطقة بالألمانية.

أما النصف الآخر من الشوط فسيكون ميعاده بمجرد فراغ لوبن من رسالة الدكتوراه التي تعكف عليها حالياً، والتي خصصتها للإمام حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.

moncler