ثوابت العمل الاسلامي في منهجية
الإمام الشهيد حسن البنا
[1] مبادئ عامة
غاية الجماعة : الرسالة التي تريد الجماعة إبلاغها للناس, وأن تفهمها الأمة الإسلامية حق الفهم, وأن تهب لإنقاذها في عزم ومضاء, هي أن مهمتنا سيادة الدنيا وإرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس.
هل نحن جماعة المسلمين : إن الإختيار الفقهي لمؤسس الجماعة لم يكن النظر إليها باعتبارها جماعة المسامين المقصودة في الأحاديث, وإنما هي داعية بعون الله لتحقيق جماعة المسلمين, وعلى هذا:
1- لا تقاس شروط العضوية على شروط الإسلا م
2- لا تقاس شروط الفصل على شروط الردة.
3- يمكن للجماعة أن تلزم أفرادها بأكثر مما يلزمها به الإسلام على وجه التفصيل, كالنظم الداخلية واللوائح مثلاً.
4- الجماعة ليست مطالبة بالقيام بواجبات الخلافة كلها قبل إيجاد الخليفة, بل الواجب إيحاد الخليفة لتحقيق تلك الأمور.
5- لا تقاس شروط أمير الجماعة وواجباته على شروط أمير المؤمنين وواجباته.
ومع هذا الأختيار, فأن الجماعة تعتقد أن الدور الذي تقوم به واجب شرعاً, وأن المتخلف عن الانضمام لمثلها آثم, إلا أن يجحد الهدف , وهو تحكيم شرع الله, فيكون كافراً مرتداً.
ومع يقين الجماعة أن العمل مع غيرها لهذا الهدف يرفع الإثم عن المسلم , إلا أنها ترى أنها الجماعة التي وقع عليها اختيار القدر لإنقاذ العالمين.
هل نحن دعوة خاصة أم عامة : بناء على ما تقدم, ترى الجماعة أن دعوتها عامة لجميع الناس, وليست خاصة بصفوة معينة من المجتمع, فهي لا تتحرج في ضم المقصرين في الطاعات, المقبلين على بعض المعاصي الخسيسة, ما دامت تعرف منهم خوف الله واحترام النظام وحسن الطاعة, فهي تأمل تربيتهم بداخلها, ولكنها ترفض الملاحدة كما ترفض الصالحين الذين لا يحترمون النظام ولا يقدرون معنى الطاعة لعدم صلاحيتهم للعمل الجماعي. ومن مهمة الجماعة تحويل عناصرها إلى صفوة بين الناس, لأنه لا يصلح لهذه الدعوة إلا من حاطها من كل جوانبها, ووهب لها ما تكلفه إياه من نفسه وماله ووقته وصحته على تفاوت بين العناصر في استعدادهم وإمكاناتهم والتزامهم.
موقفنا من فرق المسلمين : ترى الجماعة أن الملمين على اختلاف فرقهم وطوائفهم أمة واحدة, وهي تسعى لتوحيدهم حول فهمها للإسلام كما ورد في الأصول العشرين. موقفنا من غير المسلمين : ترى الجماعة أن غير المسلمين نسالمهم ما سالمونا, ونحب لهم الخير ما كفوا عدوانهم عنا, ونعتقد أن بيننا وبينهم رابطة الدعوة, وعلينا أن ندعوهم إلى ما نحن فيه لأنه خير الإنسانية كلها, وأن نسلك إلى نجاح هذه الدعوة ما حدده لها الدين نفسه من سبل ووسائل, فمن اعتدى علينا منهم رددنا عدوانه بأفضل ما يرد به عدوان المعتدين. [2] السرية والعلنية
علنية الدعوة : الأصل في دعوتنا - باعتبارها دعوة - أنها علنية. فنحن نحب أن نصارح الناس بغايتنا, وأن نجلي أمامهم منهاجنا, وأن نوجه إليهم دعوتنا, في غير لبس ولا غموض, أضواء من فلق الصبح, وأبين من غرة النهار. وهذا لا يقتصر على الدعوة إلى الإسلام بصورة مطلقة فحسب, وإنما يشمل الدعوة إلى الجماعة نفسها, فالباب ينبغي أن يكون مفتوحاً على مصراعيه لمن أراد أن يدخل إلى الجماعة أو يخرج منها, وأعمال الجماعة يجب أن تكون جلية لا خفاء بها ولا سر فيها, حتى بالنسبة إلى المدعوين أول الأمر, فإنهم يجب أن يعلموا أنهم مدعوون إلى جماعة معينة ذات أهداف واضحة.
سرية التنظيم : غير أن هذا الأصل لا يعني أن تكشف الدعوة من أول يوم عن جميع مراحل خططها مما ينبه الأعداء, بل يجب عدم التسرع في كشف أي أمر يثير عليها أعداءها قبل الأوان.
في الظروف الاستثنائية : وقد تمر بالبلاد ظروف استثنائية - كإعلان الأحكام العرفية مثلاً - فعلى الجماعة, إذا كانت غير مهيأة لتحمل نتائج المواجهة, أن تخفف مما من شأنه إثارة النظام عليها, وقد تضطر الجماعة للتوقف عن بعض ما كانت تمارسه في الأحوال العادية.
كذلك قد تمر بالبلاد ظروف صعبة جدا ًيستحيل معها العمل المعلن, فتلجأ الجماعة مضطرة إلى العمل السري, وهو يهدف إلى:
1- حفظ أفراد الدعوة من التبدد.
2- استمرار النشاط الدعوي للجماعة.
3- إمداد الجماعة بعناصر جيدة.
ووسيلة ذلك نظام الأسر, حيث تعتبر كل أسرة صورة مصغرة عن الجماعة, وترتبط الأسر بعضها ببعض بتسلسل هرمي لتحقيق ما يلي:
1- تتلقى الأسرة توجيهات القيادة عن طريق النقيب.
2- تقوم كل أسرة بجميع النشاطات الدعوية المطلوبة من الجماعة مما يستلزم أن يكون لها صندوق مالي خاص. 3- تقوم كل أسرة بإنشاء أسر جديدة بعدد أفرادها. وتجدر الإشارة إلى أن هذا النظام إنما استحدث لمواجهة حالة السرية التامة في العمل.
أحكام خاصة : يمكن للجماعة في حالة العمل المعلن استخدام نظام الأسر ليغطي الجوانب التي لا يحسن الإعلان عنها, فتتم أمور كثيرة من خلال هذا النظام, كاستفتاء على قضية أو تبليغ قرار أو تحليل موقف. كذلك يمكن اللجوء إلى سرية انتماء بعض الأشخاص للجماعة, لظروف تقدرها القيادة.
[3] الجهاد والقوة الجهاد :
الجهاد هو الفريضة الماضية إلى يوم القيامة, وأول مراتبه إنكار القلب وأعلاها القتال في سبيل الله, وبين ذلك جهاد اللسان والقلم واليد وكلمة الحق عند السلطان الجائر. ولا تحيا الدعوة إلا بالجهاد.
ومن مراتب الجهاد - مما هو دون القتال في سبيل الله - العاطفة الحية القوية التي تفيض حناناً إلى عز الإسلام ومجده, والتفكير الجدي في طريق النجاة وتلمس سبيل الخلاص, والنزول عن بعض الوقت وبعض المال وبعض مطالب النفس لخير الإسلام وبني المسلمين. ومن مراتبه الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, والنصح لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم, والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة, والتنكر لمن تنكر لدينه, ومقاطعة من عادى الله ورسوله, والعمل على إقامة ميزان العدل وإصلاح شؤون الخلق وإنصاف المظلوم والضرب على يد الظالم مهما كان مركزه وسلطانه, فمن لم يوفق إلى شيء من ذلك كله فحب المجاهدين والنصح لهم جهاد.
القوة :
القوة شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته, وأول درجة من درجات القوة، قوة العقيدة والإيمان, ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط, ثم بعد ذلك قوة الساعد والسلاح. ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعاُ. وإنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك.
استخدام القوة :
القوة لا تكون أول علاج وإنما آخر دواء, ومن الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة ونتائجها الضارة وما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف, ولا يصح أن يستخدم الإنسان القوة وليكن بعد ذلك ما يكون.
والجماعة لا تلجأ للقوة إلا مضطرة وإنما تستخدم القوة العملية حيث لا يجدي غيرها, وبعد أن تثق أنها استكملت عدة الإيمان والوحدة. وإذا استخدمت القوة فستكون الجماعة شريفة صريحة، تنذر أولاً، وتنتظر بعد ذلك، ثم تقدم في كرامة وعزة، وتتحمل كل نتائج هذا الموقف، ولا تلقي التبعة على غيرها، وهي واثقة عندئذ بنصر الله.
لماذا يقاتل المسلم :
فرض الله الجهاد على المسلمين لا أداة للعدوان ولا وسيلة للمطامع الشخصية ولكن حماية للدعوة وضماناً للسلم وأداء للرسالة الكبرى التي حمل عبئها المسلمون، رسالة هداية للناس إلى الحق والعدل، وأن الإسلام كما فرض القتال شاد بالسلام فقال تبارك وتعالى: }وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله{ (الأنفال)... كان المسلم يخرج للقتال وفي نفسه أمر واحد أن يجاهد لتكون كلمة الله هي العليا.
[4] مراحل العمل
مقدمة :
ذكر الإمام الشهيد أن من خصائص الدعوة التدرج في الخطوات، وحدد مراحل كل دعوة بثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج. وقال بأنه كثيراً ما تسير هذه المراحل الثلاث جنباً إلى جنب نظراً لوحدة الدعوة وقوة الارتباط بينها جميعاً. فالداعي يدعو، هو في الوقت نفسه يتخير ويربي، وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك، وأشار في رسالة المؤتمر الخامس إلى أن الخطوة التنفيذية لم تكن قد حصلت بعد، كما أشار في رسالة التعاليم إلى أن إقامة المنشآت النافعة من وسائل التعريف، وبين أن انضمام الأخ إلى كتيبة المجاهدين يجعله في مرحلة التكوين وبالقرب من مرحلة التنفيذ.
من هذه النصوص نستنتج أن التنفيذ بمفهومه العام قد يكون جزءاً من عملية التعريف (كأعمال الخدمة العامة) أو جزءاً من عملية التكوين (كتنظيم المخيمات)، أما التنفيذ بمفهومه الخاص، والذي هو إقامة الدولة وإعادة الخلافة، فهو مرحلة متأخرة.
كذلك حدد الإمام الشهيد مراتب العمل بأنها سبع:
1- إصلاح الفرد
2- إصلاح البيت
3- إصلاح المجتمع (وهذه الثلاث من واجبات الفرد والجماعة)
4- تحرير الوطن
5- إصلاح الحكومة
6- إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية (بتحرير أوطانها وتوحيدها وإعلان الخلافة).
7- أستاذية العالم (وهذه الأربع من واجبات الجماعة كهيئة عاملة).
وذكرت هذه المراتب في أماكن أخرى أخرى بتجميع مختلف. وهذه المراتب ليست كلها منفصلة زمنياً عن بعضها البعض. فصلاح الفرد يعني بالتالي صلاح الأسرة، وصلاح الأسرة يؤدي حتماً إلى صلاح جانب من جوانب المجتمع. وقد يترافق تحرير الوطن مع إصلاح الحكومة، كما يترافق إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية مع أستاذية العالم.
خطة الإمام الشهيد :
ليس فيما بين أيدينا من النصوص نصاً يعرض فيه الإمام الشهيد خطة متكاملة، وإنما نجد ملامح خطته موزعة بين مختلف الرسائل والمقالات. ومن استقراء ذلك كله، نستنتج أن مراحل الخطة في ذهن الإمام الشهيد كانت أربعاً:
المرحلة الأولى: دعوة العامة
هدفها:
تربية الأمة، وتنبيه الشعب، وتغيير العرف العام، وتزكية النفوس، وتطهير الأرواح، وإذاعة مبادئ الحق والجهاد والعمل والفضيلة بين الناس.
وسائلها:
1- إقامة الدروس والمحاضرات والخطب والمقالات والوفود والرحلات والمجامع والزيارات وغيرها، وهذه من وسائل التعريف.
2- استخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد وضم بعضها إلى بعض، وهي عملية التكوين. ومن وسائلها الأسر والكتائب، وفرق الكشافة والجوالة والرياضة وغيرها.
3- القيام بأعمال البر والخدمة العامة من بناء المساجد وعمارتها، وفتح المدارس والمكاتب والإشراف عليها، وإنشاء الأندية، والإصلاح بين الناس في القرى والبلدان، والتوسط بين الأغنياء الغافلين والفقراء المعوزين بتنظيم الإحسان وجمع الصدقات لتوزع في المواسم والأعياد، وإنشاء المؤسسات، والقيام بسائر الخدمات الإجتماعية. وهي من وسائل التنفيذ بمفهومه العام، وتعتبر جزءاً من عملية التعريف ذاتها.
نتيجتها:
إصلاح الفرد – ومن ثم الأسرة – في نطاق المستجيبين لها، ثم السير شوطاً في عملية إصلاح المجتمع.
مدتها:
استمرت هذه المرحلة عشر سنوات (1928 – 1938) من حياة الدعوة أصبح فيها للإخوان دار في كل مكان، ودعوة على كل لسان، وأكثر من ثلاثمائة شعبة تعمل للفكرة وتقود إلى الخير وتهدي إلى سواء السبيل. وأصبح كذلك في مصر شعور إسلامي قوي دفاق.
خصائصها:
تميزت هذه الفترة بالبعد عن الأحزاب، فلم تنضم الجماعة إلى حزب أو هيئة، ولم تخاصمها، ولم تتصل بأفرادها، وصبرت على الحرمان من كثير من العناصر الصالحة حتى ينكشف الغطاء ويدرك الناس بعض الحقائق المستورة عنهم فيعودوا إلى الخطة المثلى بعد التجربة، وقد امتلأت قلوبهم باليقين والإيمان.
المرحلة الثانية: دعوة الخاصة
هدفها:
إيصال الدعوة إلى المسؤولين من قادة البلد وزعمائه ووزرائه وحكامه وشيوخه ونوابه وأحزابه، ودعوتهم إلى مناهج الجماعة، ووضع برنامجها بين أيديهم، ومطالبتهم بأن يسيروا بمصر في طريق الإسلام في جرأة لا تردد معها، وفي وضوح لا لبس فيه، ومن غير مواربة أو مداورة. فإن أجابوا الدعوة وسلكوا السبيل إلى الغاية آزرناهم، وإن لجأوا إلى المواربة والروغان كنا حرباً على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام ولا تسير في الطريق لاستعادة حكم الإسلام ومجده.
وسائلها:
هي وسائل الدعوة الأولى – لأن دعوة العامة لا تتوقف – وهي:
1- نشر الدعوة للتبليغ (ومنها أعمال البر والخدمة العامة)
2- تربية النفوس على هذه التعاليم عملياً للتكوين
إضافة إلى وسائل جديدة هي:
3- وضع المناهج الصالحة في شؤون الحياة للتوجيه
4- التقدم إلى الأمة والهيئات النيابية والتنفيذية والدولية للتنفيذ.
أمثلة:
من أمثلة هذا النشاط:
1- تأليف لجان دستورية وقانونية وغيرها لدراسة النظم القائمة، والموازنة بينها وبين النظم الإسلامية، وبيان نواحي الخلاف معها، ومطالبة الحكومة بتعديل الأنظمة القائمة حتى تتفق مع الإسلام.
2- إعداد برامج متكاملة للإصلاح ورفعها إلى المسؤولين.
3- استغلال كافة المناسبات والقضايا الإسلامية والوطنية، وبيان موقف الجماعة منها، ورفع الرسائل إلى أولي الأمر بهذا الشأن، والمساهمة العملية في الإصلاح حيث تتمكن وسائل الجماعة من ذلك، ومواجهة كافة الحركات الهدامة بالقول والفعل، ومن ذلك:
أ- مواجهة حركات التبشير عملياً ورفع رسالة إلى الملك فؤاد بخصوصها.
ب- قضية مسجد البرلمان ورفع رسالة إلى رئيس الوزراء
ج- تأليف اللجنة المركزية العامة لمساعدة فلسطين، وتوجيه الرسائل إلى المسؤولين.
د- مذكرة إلى رئيس الوزراء بسبب تصريحه باقتفاء خطى أتاتورك.
ه- رسالة إلى سفير بريطانيا بمناسبة وعد بلفور.
و- مشاركة الإخوان في حفل تتويج الملك فاروق
ز- مشروع قرش فلسطين
ح- مذكرة إلى رئيس الحكومة بمناسبة إعلان الحرب العالمية الثانية مع رأي الجماعة في الموقف الدولي والإصلاح الداخلي.
ط- استقبال رئيس الوزراء بعد عودته من مؤتمر فلسطين ورفع مذكرة بمطالب الجماعة.
4- محاولة الدخول إلى مجلس النواب كمنبر دعوي يوصل صوت الجماعة إلى كافة الأندية مع ما توفره الحملة الانتخابية من إمكانية تكثيف العمل الدعوي العام:
أ- ترشيح المرشد العام لمجلس النواب عام 1942 ومنعه
ب- ترشيح المرشد العام لمجلس النواب عام 1944 وتزوير الانتخابات
مدتها:
أعلن الإمام الشهيد عن الانتقال إلى هذه المرحلة في افتتاحية العدد الأول من مجلة النذير في أيار 1938. ولا يمكننا أن نعتبر محاولتي الترشيح لمجلس النواب عام 1942 و 1944 انتقالاً إلى المرحلة الثالثة، فذلك لو كان انتقالاً لما تنازل الإمام الشهيد عن ترشيحه عام 1942، فضلاً عن أن مقال الإمام الشهيد الذي ظهر في مجلة الإخوان المسلمين في عددها الصادر في 4/11/1944 بعنوان لماذا يشترك الإخوان في انتخابات مجلس النواب لا يوحي على الاطلاق بأن الحركة على أبواب مرحلة جديدة، إلا أننا يمكننا أن نعتبر دخول الإخوان حرب فلسطين عام 1948 مؤشراً واضحاً على الانتقال إلى المرحلة الثالثة. وعليه فإن المرحلة الثانية استمرت عشر سنوات (1938 – 1948).
خصائصها:
تميزت هذه المرحلة بجملة خصائص نذكر منها:
1- المفاصلة التنظيمية: ذلك أن لكل مرحلة من مراحل العمل أهدافها ووسائلها، ويترتب على ذلك تبعات معينة، مما يقتضي مواصفات خاصة في رجال الدعوة. وقد يوجد أشخاص يمكن الاستفادة منهم في مرحلة معينة، بل قد يتصدرون مواقع قيادية في تلك المرحلة، ولكنهم ليسوا أهلاً للمرحلة التالية، فلا يجوز أن يبقى هؤلاء عبئاً على الحركة، ولكن لا يجوز كذلك أن يغمطوا فضل سبقهم وجهادهم. لهذا فقد اتبع الإمام الشهيد في صيف 1938 في القاهرة أسلوب شرح متطلبات المرحلة وتخيير الإخوة في متابعة السير، والموقع الذي يختاره كل إنسان لنفسه، فكانت فكرة لجنة الأربعين. وبالانتقال عملياً إلى هذه المرحلة وجد البعض نفسه عاجزاً عن متابعة المسير فتنحى.
2- دعوة الأحزاب: أصبح موقف الجماعة في هذه المرحلة التوجه إلى جميع العاملين في الأحزاب إلى ترك أحزابهم والانضمام إلى الجماعة.
3- المحنة: بعد أن كانت العقبات التي واجهتها الجماعة في المرحلة السابقة لا تتجاوز الكيد الحقير، فقد كان توقع الإمام الشهيد أن دخول مرحلة دعوة الخاصة يرافقه مواجهة المحن القاسية. وتشتد المحنة كلما اشتد جهاد الجماعة، إلا أن اشتداد المحنة لا بد أن يتبعه – حال ثبات – نصر بإذن الله.
المرحلة الثالثة: إقامة الدولة
وهي مرحلة لم تنتقل إليها الجماعة في عهد الإمام الشهيد بشكل كامل، وإن كان من إرهاصتاها محاولتا ترشيح الإمام الشهيد لمجلس النواب عامي 1942 و 1944. أما دخول حرب فلسطين، فرغم كونه مؤشراً واضحاً، إلا أن اغتيال الإمام الشهيد عقب الحرب لم يترك لنا فرصة لرؤية الإمام الشهيد يسير خطوات في هذه المرحلة. وقد حاول الإمام الهضيبي رحمه الله إكمال السير في الطريق نفسه، فكانت معارك القناة، ثم المساهمة في انقلاب 1952. إلا أن المحنة التي عصفت بتنظيم الإخوان أعادت عقارب الزمن في مصر إلى الوراء.
ومهما يكن الأمر، فإننا نستطيع أن نستخلص من رسائل الإمام الشهيد الملامح التالية لمرحلة إقامة الدولة:
هدفها:
تحرير الوطن من كل سلطان أجنبي غير إسلامي، سياسي أو اقتصادي أو روحي، وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، عن طريق النصح والارشاد، فإن أبت فالخلع والإبعاد.
وسائلها:
1- النضال الدستوري: بأن يتقدم مرشحو الجماعة لتمثيل الأمة في الهيئات النيابية، فيرتفع صوت الدعوة في الأندية الرسمية وتناصرها، وتنحاز إليها القوة التنفيذية.
2- الثورة: الثورة أعنف مظاهر القوة، ولكنها ليست من وسائل الإخوان، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها.
المرحلة الرابعة : إعادة الخلافة
وهي مرحلة وضع الإمام الشهيد خطواتها بشكل نظري، فبين أنه عندما تقوم الحكومات الإسلامية في مختلف بلدان العالم الإسلامي، لا بد من حصول تعاون ثقافي واجتماعي واقتصادي بين الشعوب الإسلامية كلها. يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات، وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد. ثم يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية. حتى إذا تم ذلك للمسلمين، نتج عن هذا الاجتماع على الإمام الذي هو واسطة العقد، ومجمتع الشمل، ومهوى الأفئدة.
تعجل الخطوات:
اعتقد الإمام الشهيد أن الخطة التي وضعها أسلم طريق للوصول، وليس مخالفاً حدودها. وقد تكون طويلة، ولكن ليس هناك غيرها. وإنما يمكن تقصير الأمد بمضاعفة الجهد. وخير لمن أراد أن يستعجل الثمرة قبل أوانها أن ينصرف عن هذه الدعوة.
وقد عانى الإخوان من ظهور حركة متسرعة هي حركة مصر الفتاة، والتي لجأت فيما لجأت إليه تحطيم الحانات بالقوة، فزج ببعض شبابها في السجون. وكان رأي الإمام الشهيد أن هذا التحدي لم يكن قد حان وقته بعد، ولا بد من تخير الظرف المناسب أو استخدام منتهى الحكمة فيه، وإنفاذه بصورة أخف ضرراً وأبلغ في الدلالة على المقصد، كلفت نظر الحكومة إلى واجبها الإسلامي.
[5] مراتب العضوية
مقدمة :
بالرجوع إلى المصادر والمراجع التي بين أيدينا تتبين لنا جملة قواعد تنظيمية جرى اعتمادها أثناء سير الجماعة في عهد الإمام الشهيد. وهي تدل على اتجاه في التنظيم، وليست أصولاً لا يمكن الخروج على تفاصيلها، وإلا لكان يجب أن تكون معتمدة منذ اليوم الأول لنشأة الجماعة. ونذكر فيما يلي بعضاً منها.
درجات الانضمام :
نستخلص من قرار التكوين العملي الصادر عن المؤتمر الثالث ما يلي:
1- هناك أكثر من درجة من درجات الانضمام للجماعة (أخ مساعد وأخ عامل وأخ مجاهد)، تتراوح بين شروط سهلة للدرجة الدنيا، (لا تزيد على استعداد للصلاح)، وشروط صعبة للدرجة العليا.
2- بعض هذه الدرجات يمكن للأخ أن ينضم إليها بلا تدرج (درجة المساعد والمنتسب والعامل)، وبعضها تكون نتيجة تدرج (درجة المجاهد).
3- هناك نوع من الارتباط بين هذه الدرجات وبين بعض المواقع الإدارية (موقع النقيب والنائب).
4- بسبب كثرة الدرجات وسهولة شروط الدرجة الدنيا تتخذ إجراءات حاسمة بشأن كل أخ يتهاون في أداء واجبه.
الحسم :
تعطي لائحتا الزكاة والحج الصادرتان عن المؤتمر نفسه أمثلة عملية على الارتباط بين درجات العضوية وبين المواقع الإدارية، كما تبيان الاختلاف في الواجبات بين هذه الدرجات، وتعطيان أمثلة عملية على الحسم عند التهاون في أداء الواجبات.
مثال ذلك:
يرد الأخ العامل إلى مرتبة الأخ المنتسب في إحدى الحالات التالية:
1- إذا قصر في الادخار للحج بغير عذر شرعي قاهر (لائحة الحج – المادة 6).
2- إذا لم يؤد الزكاة (لائحة الزكاة – المادة 14).
3- إذا أدى الزكاة بنفسه لغير صندوق الزكاة في الجماعة أكثر من مرة واحدة (لائحة الزكاة – المادة 14).
الأسر :
في المرحلة العلنية كان نظام الأسر يربط الإخوان العاملين، مما يمكن الإخوان من التداول في أي أمر ذي بال بطريقة تجعل التسرب أو التسمع أمراً مستحيلاً، كما كان للإخوان المجاهدين أسر خاصة بهم.
[6] نظام الأخوات
النساء والأطفال :
تعنى الحركة بالمرأة عنايتها بالرجل، كما تعنى بالطفولة عنايتها بالشباب.
حقوق المرأة :
تتمتع المرأة بالحقوق التالية:
1- المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الحقوق الإنسانية.
2- السماح للمرأة بالخروج إلى المجتمع الخارجي مكشوفة الوجه واليدين.
3- السماح للمرأة بالمساهمة في النشاط الاجتماعي إذا كان العمل خيرياً والوسط كله نسائياً.
4- حق التزين بالأصباغ التي يزول أثرها للزوج وحده مع حرمة جراحة التجميل (لغير ضرورة).
5- حق التعليم في جميع مراحله، ويفضل التعليم الذي يتصل بوظيفتها كربة بيت.
6- السماح بخروج الرجل مع زوجته للترويح عن النفس في المنتزهات العامة، و الذهاب لمشاهدة أفلام ثقافية أو مسرحيات تاريخية، فهذه الدور والمسارح ليس فيها حرج لذاتها، بل الحرج على الأفلام الرخيصة التي تعرض فيها.
7- السماح للمرأة بالعمل في الوظائف إذا كانت هناك ضرورة تدعو لذلك.
8- حق المرأة في تحديد النسل إذا كان ضاراً بصحتها أو لظروف اقتصادية.
9- الاعتراف بحقوق المرأة السياسية.
قسم الأخوات :
الغاية من تكوين قسم الأخوات هي:
1- بعث الروح الدينية وبث التعاليم الإسلامية الكفيلة بتكوين شخصيات من النساء مهذبة تستطيع الاضطلاع بما يناط بها من أعمال وواجبات.
2- التعريف بالفضائل والآداب لمزكية للأنفس، والموجهة إلى الخير والكمال، وتعريفها بما لها من حقوق وما عليها من واجبات.
3- إرشادهن إلى طرق التربية الإسلامية الصحيحة النافعة التي تضمن لأبنائهم النمو الجسمي والعقلي، وتجنبهم الانحراف الصحي والنقص العقلي.
4- العمل على صبغ البيت بالصبغة الإسلامية، وبث تعاليم القرآن الكريم والسنة المطهرة، وسيرة أمهات المؤمنين وفضليات النساء، ممن حفل بهن التاريخ الإسلامي المجيد.
5- محاربة البدع والخرافات والأباطيل والترهات والأفكار الخاطئة والعادات السيئة التي تنتشر وتروج بينهن.
6- نشر الثقافة العامة والمعارف التي تنير عقولهن وتوسع مداركهن.
7- الاهتمام بالشؤون المنزلية لتجعل من البيت مكاناً سعيداً يضم أسرة هانئة على أساس فاضل سليم.
8- المساهمة في المشروعات الاجتماعية النافعة بالقدر الذي يتناسب مع ظروفهن وجهودهن وفي محيطهن، كالمستوصفات ودور الطفولة ورعاية اليتامى، وأندية الصبيان، والمدارس، وتنظيم مساعدة الأسر الفقيرة.
9- المعاونة في حدود ظروف الأخوات وجهودهن في تحقيق البرنامج الاصلاحي الأساسي لهيئة الإخوان المسلمين العامة.
[7] السياسة التنظيمية
مواصفات الفرد :
الخوف من الله تعالى واحترام النظام وحسن الطاعة أساس صلاحية الأخ للعمل الجماعي. ولا بد من التنبيه على بعض الجزئيات:
1- الأخ الذي له أساليب خاصة به، وينظر إلى القيادة نظرة أقران، ولا يصغي لآرائها إلا قليلاً، فإن الاعتماد عليه مخاطرة مهما بلغ من الصلاح، لأنه حينئذ يغري الجماعة بصلاحه ويفرقها بخلافه.
2- لا ينفع في بناء الجماعة إلا ما بنت القيادة بنفسها، أو بجهود الإخوان الذين يرون للقيادة معهم شركة في التهذيب والتعليم. ولهذا، فكل فرع أنشئ بغير أسلوب القيادة لا ينفع كثيراً.
وحدة العمل الإسلامي :
ومع أن توحيد الهيئات الإسلامية أمل كبير وأمنية عزيزة يتمناها كل محب للإصلاح، فإن هذه الخطوة ينبغي أن لا تقدم عليها الجماعة إلا بشروط. ولعل من مقاييس سلامة هذا التوحيد أن تقبل هيئة على الانضمام إلى الجماعة من غير ضغط من أي ظرف، اللهم إلا قناعة العاملين في الهيئة بضرورة التوحيد وبسلامة خط الجماعة، ومن أمثلة ذلك انضمام جمعية الحضارة الإسلامية إلى حركة الإخوان. أما إذا اضطرت هيئة ما إلى الانضمام إلى الجماعة لعجزها عن إكمال سيرها، كما كان شأن هيئة مصر الفتاة، فهذا الانضمام لا نفع فيه، خصوصاً إذا كان كثير من أعضاء الهيئة لا يلتقون مع فكرة الإخوان.
المفاصلة التنظيمية :
للجماعة كلما انتقلت إلى مرحلة جديدة من مراحل العمل أن تعيد تصنيف إخوانها، وأن تطلب القيادة من القادر على متابعة المسير أن يتقدم، وتطلب من غير القادر أن يتأخر.
معالجة الأخطاء :
عندما يتورط بعض الأخوان في معارضة للقيادة وخروج على الأصول المتبعة بدافع من الإخلاص وحسن القصد، ولكنهم يخطئون الطريق، فإن واجب القيادة حسن الظن بهم، وتقدير سابقتهم في الدعوة وخدمتهم إياها، وتضحيتهم في سبيلها، فتحرص على إخوتهم وسلامة نفوسهم، ولا تؤاخذهم بقسوة، أو تعاجلهم العقوبة، أ, تباعد بينهم وبين إخوانهم بإقصاء أو فصل، وإنما تحاول معالجة الأمر بالتي هي خير، فإن عادوا إلى الجادة فبها ونعمت، وإن أبوا إلا التمرد فإن القيادة لا بد أن تفصلهم.
أما عندما يكون هناك تآمر واضح وخسة ومكر، فليس من الخير على الاطلاق بقاء أمثال تلك العناصر مع الجماعة. إلا أنه لا ينبغي للجماعة أن تشهر بالذين قصلتهم، فلعله يكون أصلح لها ولهم وللإسلام أن يعملوا من خارجها، واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.
التفرغ :
التفرغ للعمل مبدأ صحيح يعمل به عند الحاجة إليه، ولكن ينبغي على الإخوة أن لا يجعلوا الجماعة متكاً لحل مشاكلهم الخاصة، فلأن يعطي أحدهم الدعوة خير له من أن يأخذ منها.
الاشتراك المالي :
الأصل في الاشتراك المالي في الجماعة أنه تطوعي.
[8] السياسة التربوية
مقدمة :
تهدف السياسة التربوية للجماعة إلى زرع مبادئها في نفوس الإخوان. ومن المبادئ الأساسية الضرورية عند بدء التربية:
1- أن الإسلام معنى شامل ينتظم شؤون الحياة جميعاً، ويفتي في كل شأن منها، ويضع له نظاماً محكماً دقيقاً، ولا يقف مكتوفاً أمام المشكلات الحيوية والنظم التي لا بد منها لإصلاح الناس.
2- أن مهمتنا سيادة الدنيا وإرشاد الإنسانسة كلها إلى نظم الإسلام الصالحة، وتعاليمه التي لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس.
3- أننا نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا.
4- أن هذه الدعوة لا يصلح لها إلا من حاطها من كل جوانبها، ووهب لها ما تكلفه إياه من نفسه وماله ووقته وصحته.
التوازن في التربية :
تعمل التربية الإخوانية على إنشاء جيل يحقق معنى رهبان في الليل فرسان في النهار. لهذا ترى الاخ المسلم في المحراب خاشعاً متبتلاً يبكي ويتذلل، وبعد ذلك يكون هو بعينه واعظاً مدرساً يقرع الآذان بزواجر الوعظ، وبعد قليل تراه نفسه رياضياً أنيقاً يرمي الكرة أو يدرب على العدو أو يمارس السباحة، وبعد فترة يكون هو بعينه في متجره أو معمله يزاول صناعته في أمانة وفي إخلاص.
التربية العامة :
لا ينبغي أن تكون تربيتنا للإخوان على أساس طريق – أو مذهب – خاص، لأسباب أهمها:
1- اعتماد طريق – أو مذهب – خاص يؤدي إلى خصومة مع أبناء الطرق والمذاهب الأخرى.
2- حصر الدعوة في طريق – أو مذهب – خاص يجعلها محصورة في نفر من المسلمين.
3- حصر الدعوة في طريق – أو مذهب – خاص يجعلها وقفاً على ناحية واحدة من نواحي الإصلاح الإسلامي.
إنما يجب أن تكون دعوتنا دعوة عامة قوامها العلم والتربية والجهاد، وهي أركان الدعوة الإسلامية الجامعة. ومن أراد بعد ذلك تربية خاصة، فهو وما يختار لنفسه. إنما ينبغي أن يكون ذلك بإذن القيادة.
العقيدة :
تبنى العقيدة الصحيحة على أساس آيات الكتاب الجكيم، وأحاديث الرسول r وسير الصالحين، ومسالك الموقنين، من غير التفات إلى نظريات فلسفية، أو أقيسة منطقية، وإنما من خلال لفت الأنظار إلى عظمة الباري في كونه، وإلى جلال صفاته بالنظر إلى مخلوقاته، والتذكير بالآخرة في أسلوب وعظي، بطريقة لا تعدو جلال القرآن الكريم في هذه المعاني كلها. وتجدر الإشارة إلى أنه لا ينبغي هدم عقيدة فاسدة إلا بعد بناء عقيدة صحيحة.
كذلك ينبغي تدريس العقيدة للإخوان على أساس مذهب السلف في السكوت عن المتشابهات، وتفويض معناها إلى الله تعالى. إلا أن بعض القضايا التي أثارها السلفيون وأدخلوها في العقيدة هي في نظرنا من الفروع وليست من أصول الدين.
إلى جانب هذا، فإن للإخوان عقيدة خاصة تسمى عقيدة الإخوان المسلمين، تلخص فهمهم للإسلام، لا بد من دراستها والعمل بمقتضاها.
القرآن الكريم :
القرآن الكريم محور التربية الإخوانية. ولهذا يحرص الإخوان على الإكثار من تلاوته، والتعبد بقراءته، والتقرب إلى الله تبارك وتعالى به.
وإذا نظرنا إلى واقع الأمة فإننا نرى أن الناس قد وقعوا في جهالة بكتاب الله، تجعل بينهم وبين استنباط الأحكام منه حجاباً كثيفاً وسداً منيعاً، مما اضطرهم إلى القناعة بالملخصات، والرضا بالتعليقات، وقصر هممهم عن السمو إلى ما هو أرقى من ذلك من الغايات.
وإذا أخذنا كتب التفسير بعين الاعتبار، فإننا نجد أن قسماً كبيراً من التفاسير القديمة كان متأثراً بقضايا الفلسفة، وكثيراً ما حاول البعض استنباط ما يوافق مذهبه في العقيدة أو الفروع، وكثير من كتب التفسير ما كانت أكثر من ردود على كتب سابقة. لهذا يجب أن تعتبر أكثر تلك الكتب خاصة بالعصر الذي وجدت فيه، من حيث تلونها بلونه.
لهذا كله يرى الإخوان أنه ينبغي أن يفهم القرآن الكريم طبقاً لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف، مع الإلمام بالسيرة النبوية المطهرة، والعناية بنوع خاص بأسباب النزول، وارتباطها بمواضعها من هذه السيرة. وتكون العودة إلى التفاسير التقليدية بعد ذلك للوقوف على معنى لفظ دقيق، أ, فهم تركيب خفي، أو استزادة من ثقافة معينة تعين على الفهم الصحيح لكتاب الله، فهي مساعدات للفهم.
الفقه :
إن دعوة الإخوان دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة، ولا تنحاز إلى رأي عرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة، وتعتقد أن الخلاف في فروع الدين مستحيل، بل هو يتنافى مع طبيعة الدين. ولا يرتفع الخلاف إلا بوجود الخليفة حيث يعمل برأيه، ورأي نائبه، فيما لا نص فيه، وقيما يحتمل وجوها عدة، وفي المصالح المرسلة، ما لم يصطدم ذلك الرأي بقاعدة شرعية.
وترى الجماعة أن من عوامل تحلل كيان الدولة الإسلامية إهمال كتاب الله وسنة الرسول r، والجمود والتعصب للآراء والأقوال، والولع بالجدل والمناظرات والمراء.
كما ترى الجماعة أن أساس التعاليم الإسلامية ومعينها الصافي هو كتاب الله تبارك وتعالى، وسنة رسوله r، وأن كثيراً من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها، والشعوب التي عاصرتها، ولهذا يجب أن تستقى النظم الإسلامية التي تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي، معين السهولة الأولى، وأ، نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم، وأن نقف عند هذه الحدود الربانية، حتى لا نقيد أنفسنا بغير ما يقيدنا به الله، ولا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معه، والإسلام دين البشرية جميعاً. ونحن بهذا المعنى دعوة سلفية.
لهذا كله ينبغي أن يبدأ بتدريس الفقه بطريقة عملية مع الترغيب والترهيب، وربط ذلك بالكتاب والسنة، من غير تفريع للمسائل، أو لجوء إلى المصطلحات الغامضة. وعندما تتبنى الجماعة تدريس الفقه لأعضائها فإنها لا تعمد إلى اختيار مذهب معين. فلقد كان المؤتمر الخامس قد صدر عنه قرار بتأليف لجنة علمية لوضع كتاب مختصر مفيد في العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات الإسلامية، مدعم بالأدلة من الكتاب والسنة، بعيد عن مناحي الخلاف وتشعب الآراء، حتى يكون مرجعاً للإخوان ولمن شاء.
ومع ذلك فإن من حق أي أخ – بل أي مسلم – أن يدرس لنفسه ما شاء من المذاهب، وأن يلتزم بما شاء، مع توجيهه إلى ضرورة أن تكون دراسته مقرونة بدراسة الأدلة، وأن يترك ما هو عليه إلى ما ترجح عنده قوة دليله إذا اطمأن إلى إخلاص من يرشده وكفايته، مقيداً أننا طريقة سنية، بمعنى حمل أنفسنا على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات.
التصوف :
صوفية الجماعة تعني أننا نعلم أن أساس الخير طهارة النفس ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير. إلا أننا نرى أن تجاوز السنة في التربية إلى مبالغات لم ترد، وتحليل الأذواق والمواجيد، ومزج ذلك كله بعلوم الفلسفة والمنطق، ليس من الدين في شيء.
ومع إيمان الجماعة بجواز حصول الكرامات بشرائطها الشرعية، فإن أعظم كرامة يكرم بها عبد هي التوفيق لنشر دعوة الإسلام، والغيرة على محارم الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وتعتقد الجماعة أن الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية، وأن رؤية الرسول r في اليقظة أو المنام لا يقطع بحقيقتها إلا للصحابة الكرام الذين رأوه في حياته ويعلمون صورته. وعليه يكون اعتبار هذه الالهامات عندما لا تصادم أحكام الدين ونصوصه من المباحات، أما اعتبارها عند التصادم فمعصية.
وترى الجماعة أن إهمال القرآن جملة، والاكتفاء بالأوراد والأحزاب والوظائف والصلوات التي وضعها الشيوخ ترك لكتاب الله وإهمال لحقوقه، ولو كانت الأوراد لا تخالف ظاهر الشريعة. بل ينبغي أولاً الاهتمام بكتاب الله، وبعد ذلك يمكن للإنسان أن يذكر الله بما شاء من الصيغ التي تنطبق على أحكام الدين. ولهذا فإن الذكر الإخواني أكثره آيات وأحاديث، وهو جانب على الإخوان إلزام أنفسهم به.
أولويات المنهج التربوي :
يركز المنهج التربوي على القضايا التالية:
1- تلاوة القرآن والاستماع إليه وفهمه، على أن يقرأ القارئ بتدبر وخشوع، وأ، يستلهم الرشد والسداد، وأن يجمع شوارد فكره حين التلاوة، مع حفظ ما يمكن حفظه.
2- الإكثار من القراءة في حديث رسول الله r، وحفظ بعض الأحاديث.
3- دراسة السيرة وتاريخ السلف.
4- دراسة رسالة في أصول العقائد ورسالة في فروع الفقه.
5- الإكثار من المطالعة في رسائل الإخوان وجرائدهم ومجلاتهم ونحوها – كالكتب الدعوية والتربوية وما يتناول حاضر المسلمين ومشاكلهم-.
نتائج المنهج التربوي :
يهدف هذا المنهج إلى تحقيق أركان الدعوة الجامعة، والتي هي العم والتربية والجهاد.
1- بغير العلم بكتاب الله وتاريخ الدعوة الإسلامية وواقع الحياة، فإن الحماس يؤدي بصاحبه إلى النحراف والاصطدام والتحطم.
2- بغير التربية على منهج الدعوة في الحب، والامتزاج الروحي، والصفاء، والتنافس في البذل، والعمل، والتضحية، واحتمال المشاق في سبيل الدعوة، فإن الجاه والمال يغريان العامل بسلوك طريق الدس والوقيعة، ولو كان شيخاً أريباً أدبياً عالماً فقيهاً لبقاً ذلق اللسان واضح البيان. غير أن هذه التربية لا تتم بالكلام النظري، وإنما بالممارسات العملية.
3- بغير الجهاد يصبح الإيمان مخدراً نائماً في النفوس، لا ينزل على حكمه، ولا يعمل بمقتضاه. فإذا غفل الإنسان عن فكرته، فهو لا يفكر في العمل لها، ولا يحدث نفسه بأن يجاهد أضعف الجهاد في سبيلها. بل إنه قد يبالغ في هذه الغفلة وهذا النسيان، حتى يعمل على ضدها وهو يشعر أو لا يشعر. والجهاد أن يدرك الإنسان أن لب دعوته فكرة وعقيدة يقذف بها نفوس الناس ليتربى عليها الرأي العام، وتؤمن بها القلوب، وتجتمع عليها الأرواح: تلك هي العمل للإسلام والعمل به في كل نواحي الحياة.
بنتيجة هذه التربية، يشعر الإنسان أنه روح جديد يسري في قلب الأمة، فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داو يعلو مردداً دعوة الرسول r. وعليه أن يدرك منزلته هذه، فلا يصغر في نفسه فيقيس نفسه بغيره، أو يسلك في دعوته سبيلاً غير سبيل المؤمنين، أو يوازن بين دعوته التي تتخذ نورها من نور الله، ومنهاجها من سنة رسول الله r، بغيرها من الدعوات التي تخلقها الضرورات، وتذهب بها الحوادث والأيام.
[9] السياسة الدعوية
مقدمة :
ليست المساجد بالضرورة هي الأماكن الأكثر مناسبة لتبليغ الدعوة للناس. فقد يحصل أن يكون المسجد ساحة صراع بين فرق ومذاهب، حتى أن المتكلم ليجد نفسه في مواجهة جمهور لا يهم كل فرد فيه أن يعلم عن المتكلم أكثر من انتمائه الحزبي أو المذهبي. فينبغي والحالة هذه الابتعاد عن الحديث للناس في المساجد. وقد تكون المساجد خلواً إلا من الشيوخ الفانين، والداعية يريد مخاطبة الشباب فلا يجدهم إلا في المقاهي. ويخطئ من يظن أن جمهور المقاهي أبعد الناس عن الاستعداد لسماع العظات، بل قد يكون هذا الجمهور أكثر الناس تجاوباً.
وليس الداعية بالضرورة هو الإنسان الذي جمع قسماً وافياً من العلوم الشرعية حتى أصبح قادراً على الفتيا، بل كل إنسان فهم الدعوة وتحمس لها يمكن أن يكون داعية في محيطه، وإن كان لا يحسن أكثر من مبادئ القراءة والكتابة.
المادة الدعوية :
تختلف المادة الدعوية التي يقدمها الأخ للناس باختلاف حالة المدعوين. فبالنسبة لجمهور المقاهي ومن في حكمهم، فإن الداعية يقدم له وعظاً عاماً: تذكيراً بالله واليوم الآخر، وترغيباً وترهيباً، فلا يعرض لتجريح أو تعنيف، ولكنه يقنع بأن يدع شيئاً من التأثير في هذه النفوس وكفى. وعليه أن ينحرى الأسلوب فيجعله سهلاً جذاباً مشوقاً، خليطاً بين العامية أحياناً، ويمزجه بالمحسنات والأمثال والحكايات، ويحاول أن يجعله خطابياً مؤثراً في كثير من الأحيان. وعليه أن يتحايل دائماً على جذب هذه النفوس، باعثاً الرغبة والشوق إلى ما يقول. وهو بعد هذا لا يطيل حتى لا يمل، ولكنه لا يزيد في الدرس على عشر دقائق، فإذا أطال فربع ساعة، مع الحرص على أن يوفي في هذا الوقت معنى خاصاً يقصد إليه، ويتركه وافياً واضحاً في نفوس السامعين. وعليه حين يعرض لآية أو حديث أن يتخير تخيراً مناسباً، ويقرأ قراءة خاشعة، ويتجنب التفاسير الاصطلاحية، والتعليقات الفنية، بل يكتفي بالمعنى الإجمالي يوضحه، والاستشهاد المقصود يشرحه.
بالنسبة للعوام حديثي العهد بالتعبد، فعلى الداعية أن يسلك بهم مسلكاً عملياً بحتاً، فلا يعمد إلى العبارات يلقيها، أو الأحكام المجردة يرددها، بل إذا أراد تعليمهم الوضوء مثلاً عمد إلى أخذهم إلى الحنفيات تواً، فصفهم صفاً، ووقف فيهم موقف المرشد إلى الأعمال عملاً عملاً، حتى يتموا وضوءهم. وإذا أراد تعليمهم الصلاة، شرح أعمالها مطالباً إياهم بأدائها عملياً أمامه، ذاكراً ما ورد في فضلها، مخوفاً من تركها. وعليه كذلك أن يستظهر معهم الفاتحة، ويصحح لهم ما يحفظونه من قصار السور، وأن يتجنب في تعليمه التعقيدات والتفريعات.
وبالنسبة لجمهور المسجد فليس الغرض من الحديث إليه إعطاءه دراسة معمقة في العلوم الإسلامية، فذلك كجاله غير هذا. ونما القصد تعليم أصول الدين وقواعده، والعمل بأخلاقه وفضائله العامة وإرشاداته المجمع عليها، وتأدية الفرائض والسنن. فعلى الداعية أن يتجنب الخلافيات التي لا جدوى من البحث فيها. ويحسن به أثناء تدريسه عدم التضييق هلى رأي واحد إذا كان في الدين فسحة، بل يبين أقوال المجتهدين إذا كانت المسألة تحتمل وجوهاً عدة.
والحديث إلى الناس في المسجد لا يقتصر على الدروس والخطب، بل قد تريد الجماعة تبليغ فكرة محددة للناس، فيمكن أن يتم ذلك بكلمة موجزة قد لا تتجاوز دقيقتين، يلقيها أخ بعد صلاة الجمعة مثلاً أو أي وقت آخر.
أما بالنسبة للمثقفين – والطلاب خاصة – فإن المادة التي يجب أن تقدم لهم هي رأي الجماعة في كل ما يجري على الساحة ويكون موضه\ع الاهتمام الناس، وسط آراء الهيئات والأحزاب المختلفة، ومقارعة الحجة بالحجة.
ونشير في ختام هذه الفقرة إلى أنه على الأخ الداعية أن يدرس البيئة التي يتحرك فيها، وأ، يحسن تحضير الموضوع الذي ينبغي الحديث فيه.
مع العلماء :
على الأخ الداعية أن يسلك مع العلماء مسلك الصداقة والتوقير والإجلال الكامل، ويحرص على أن لا يتقدم أحداً منهم في درس أو محاضرة أو خطبة، وإذا كان يدرس وقدم أحدهم تنحى له وقدمه للناس، فإن لهذا الأسلوب أثره في نفوسهم. وإذا أراد محاورة العلماء، فعليه أن يحاورهم في جلسات خاصة، لا أمام العوام.
مع السلفيين :
لا ينبغي مناقشة السلفيين في تفاصيل العقيدة وتوصيف البدعو، وإنما ينبغي أن نبين لهم أن الانشغال بقضية الإسلام العالمية يقدم على هذه القضايا الفرعية.
مع الصوفيين :
على الأخ الداعية أن يتأدب مع شيوخ الطرق بأدب الطريق ويخاطبهم بلسانها، ثم إذا خلا بهم شرح لهم حال المسلمين وجهلهم بأولويات دينهم، وتفكك رابطتهم، وغفلتهم عن مصالهم الدينية والدنيوية، ويذكرهم بالتبعة الملقاة على كاهلهم لاتباعهم الذين وثقوا بهم وأسلموهم قيادهم ليدلوهم على الله ويرشدوهم إلى الخير، ثم يطلب منهم أن يوجهوا كل جهودهم إلى إنارة أذهان الناس بالعلم والمعرفة، وإلى التربية الإسلامية الصحيحة، وجمع كلمتهم على عزة الإسلام والعمل على إعادة مجده.
هذا ما يخص المخلصين منهم. أما المشايخ الذين يتخذون الصوفية مرتزقاً، ووسيلة إلى الكسب المادي، وسبيلاً إلى استغلال جهل المسلمين وسذاجتهم، فلا بد من مواجهتهم بالحكمة، وحماية الناس من أن يكونوا فريسة لدجالين يتخذون الدين وسبلة لإضلال الناس وابتزاز أموالهم.
وإذا أمكن بذل شيء من الجهد في إصلاح الحركات الصوفية وتنقية ما فيها من شوائب، فذلك أمر مطلوب وميسور، إذا وجد من العلماء من يمكنه التفرغ له، لأن أتباع هذه الطرق من أكثر الناس استعداداً للصلاح.
مع الهيئات الإسلامية :
موقفنا من الهيئات الإسلامية عامة أننا نتمنى لها الخير جميعاً وندعو لها بالتوفيق. وأن خير طريق نسلكها ألا يشغلنا الالتفات إلى غيرنا عن الالتفات إلى أنفسنا. فأمتنا محتاجة إلى جنود وجهاد، والوقت لا يتسع لنتطلع إلى غيرنا ونشتغل به، فكل في ميدانه والله مع المحسنين.
على أننا نحب أن نتعاون مع هذه الهيئات ونحاول جاهدين أن نقرب بين وجهات النظر، ونوفق بين مختلف الفكر. ولا يباعد بيننا رأي فقهي، أو خلاف مذهبي، بل نعمل على جمعها وتوحيدها حول الفكرة العامة.
وإذا كانت هناك حركة تشترك معنا في غايتها العامة، وهي العمل لما فيه إعزاز الإسلام وإسعاد المسلمين، وإنما تقع فروق بسيرة في أسلوب الدعوة وفي خطة القائمبن بها، فإننا لا نشعر أننا في ميدان منافسة، ولكن في ميدان تعاون قوي وثيق. ولا بأس أن نظهر وإياهم في كثير من القضايا الإسلامية العامة شيئاً واحداً وجماعة واحدة.
أما الحركات الإسلامية المتسرعة التي قد لا تتورع، انطلاقاً من تسرعها، عن توجيه التهم لنا، فإنا، وإن كنا لا نؤيدها، وننبه بالحسنى إلى مواقع الزلل، إلا أننا لا نحاربها، بل يسرنا أن يوفق كل عامل للخير إلى الخير، ولا نحب أن نخلط البناء بهدم، وفي ميدان الجهاد متسع للجميع.
الإشاعات والأكاذيب :
تتعرض الدعوات في سيرها إلى كثير من الإشاعات والأكاذيب، يطلقها المغرضون الذين امتلأت قلوبهم بالحسد والغيرة من العاملين للإسلام، فلا بد من اعتماد قاعدة مهمة في سير الدعوة العملي، وهي أن الإشاعة والأكاذيب لا يقضى عليها بالرد، ولا بإشاعة مثلها، ولكن يقضى عليها بعمل إيجابي نافع يستلفت الأنظار، ويستنطق الألسنة بالقول، فتحل الإشاعة الجديدة وهي حق، محل الإشاعة القديمة وهي باطل.
أما إذا كان الافتراء من علماء معروفين، ولهم أثرهم في نفوس الناس، فإنه لا بد من معالجة الأمر وإيقافهم عند حدهم ومنعهم من التقول، من غير استخدام العنف معهم.
[10] السياسة العامة
وسائل العصر :
الدعاة اليوم إلى شتى المذاهب غيرهم بالأمس، فهم مثقفون مجهزون مدربون أخصائيون – ولا سيما في البلاد الغربية – حيث تحتص بكل فكرة كتيبة مدربة توضح غامضها، وتكشف عن محاسنها، وتبتكر لها وسائل النشر وطرق الدعاية، وتتلمس لها في نفوس الناس أيسر السبل وأهونها وأقربها إلى الاقتناع والاتباع.
ووسائل الدعاية الآن عيرها بالأمس كذلك، فقد كانت دعاية الأمس كلمة تلقى في خطبة أو اجتماع، أ, كلمة تكتب في رسالة أو خطاب. أما الآن فنشرات ومجلات، وجرائد ورسالات، ومسارح وخبالات، وحاك ومذياع. وقد ذلل ذلك كله سبل الوصول إلى قلوب الناس جميعهم، نساءً ورجالاً، في بيوتهم ومتاجرهم ومصانعهم ومزارعهم.
لهذا كله كان من واجب أهل الدعوة أن يحسنوا تلك الوسائل جميعاً حتى يأتي عملهم بثمرته المطلوبة.
الإعلام :
لا بد من الموازنة بين إيثار الناحية العملية على الدعاية والإعلانات، مخافة أن تشوب هذه الأعمال شوائب الرياء فيسرع إليها التلف والفساد، وبين ما ورد في إذاعة الخير والأمر به والمسارعة إلى إعلانه ليتعدى نفسه.
والإخوان بطبعهم يؤثرون أن لا يراهم الناس إلا عاملين. فمن أقنعه العمل فيها، ومن لم يؤثر فيه العمل فلن يرشده القول. وهم ينفرون من اعتماد الناس على الدعايات الكاذبة والتهريج الذي ليس وراءه عمل. وهذه معان محمودة لا بأس باعتمادها. ولكن عندما تظهر الدعوة، ويتساءل عنها الناس، ويبدأ الفضوليون بتصويرها للغير من غير أن يعرفوا عنها قليلاً أو كثيراً من شؤونها، فقد وجب علينا أن نبين للناس غايتنا ووسيلتنا وحدود فكرتنا ومنهج أعمالنا، وأن نعلن هذه الأعمال على الناس، لا للباهاة بها، ولكن للإرشاد إلى ما فيها من نفع للأمة وخير لأبنائها. ومن تلك الوسائل النشرات الداخلية والخاصة، والصحف اليومية، مع الحرص على الصدق، فلا نتجاوز الحقيقة. وأن تكون الدعاية في حدود الأدب الكامل، والخلق الفاضل، والحرص التام على جمع القلوب وتأليف الأرواح، واستشعار الفضل في ذلك كله لله.
العمل الاجتماعي :
للإخوان غاية قريبة يبدو هدفها وتظهر ثمرتها لأول يوم ينضم فيه الفرد إلى الجماعة، أو تظهر الجماعة الإخوانية فيه في ميدان العمل العام. هذه الغاية هي المساهمة في الخير العام أياً كان لونه ونوعه، والخدمة الإجتماعية كلما سمحت بها الظروف.
يتصل الأخ بالإخوان فيكون مطالباً بتطهير نفسه، وتقويم مسلكه، وإعداد روحج وعقله وجسمه للجهاد الطويل الذي ينتظره في مستقبل الأيام، ثم هو مطالب بأن يشيع هذه الروح في أسرته وأصدقائه وبيئته.
وتتكون الجماعة من جماعات الإخوان، فتتخذ داراً وتعمل على معليم الأميين، وتلقين الناس أحكام الدين. وتقوم بالوعظ والإرشاد والإصلاح بين المتخاصمين، والتصدق على المحتاجين، وإقامة المنشآت النافعة من مدارس ومعاهد ومستوصفات ومساجد، في حدود مفدرتها، والظروف التي تحيط بها.
ولا يقتصر الإخوان في عملهم هذا على أنفسهم، بل يمكن في العمل الاجتماعي الاستعانة بعناصر من أهل الاختصاص، ولو لم يكن لهم حظ موفور من التهذيب الروحي، والتربية على منهج الدعوة، على أن لا يعني هذا أن تصبح لهم مكانة في المجتمع الإخواني ذاته.
كذلك يمكن الاستفادة من العمل الاجتماعي بأن تكون الدعوة أحياناً إليه في أول الأمر لا إلى الجماعة، ثم يكون العمل للجماعة في مرحلة لاحقة.
العمل الاقتصادي :
على الإخوان أن يساهموا في الأعمال الاقتصادية، وأن يكون لهم نشاط ملحوظ نافع في المشروعات الإسلامية المالية التي تحفظ على المسلمين ثروتهم، وتدربهم على خوض الميادين التي استأثر بها الأجانب واليهود ومن لا خلاق لهم، ولكن بشرطين:
1- ألا نخلط بين نشاط الدعوة والنشاط الاقتصادي، لا في شكل ولا موضوع، فتكون عناوين الأعمال بغير اسم الاخوان – أي برخص مستقلة – وفي غير دورهم. ولها نظامها المادي والاقصادي الصرف الذي لا تشوبه شائبة من عاطفة أو تهاون، فالدعوة شيء، والمال الاقتصادي شيء آخر وإن كان كل منهما بعين الآخر، ولكن لكل لونه ووسائله وأساليبه. ولا بد من ملاحظة تطبيق قواعد الإسلام الحنيف.
2- ألا تكون للقيادات الإسلامية صلة بهذه الأعمال من قريب أو بعيد، صيانة لموقعها ومجهودها، وأن يتحمل الإخوان الراغبون في القيام بالمشروع الاقتصادي التبعة كاملة.
الحكومة :
هناك جملة قواعد تحكم سياستنا مع الحكومة، وهو ما بدأ الإمام الشهيد بتنفيذه ابتداءً من مرحلة دعوة الخاصة.
1- نحن لا نطلب الحكم لأنفسنا، فإن وجدنا من الأمة من يستعد لحمل هذا العبء وأداء الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني، فنحن جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم نجد، فالحكم من منهاجنا، وسنعمل لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أمر الله.
2- نحن نتقدم إلى الحكومة ببرامج الاصلاح، ونخاطب الحكومة بلسانها وبالأدب الرسمي حرصاً على تأليف القلوب، كالعريضة التي رفعت إلى الملك فؤاد، والخطاب الذي رفع إلى رئيس الوزراء وإلى وزير الأشغال، وإلى رئيس الحكومة. وليس مبرر هذا الأدب وهذا التوجه إسلام المخاطبين، وإنما الإصلاح. وقد يقتضي الإصلاح التوجه بالخطاب إلى غير المسلمين، ومع هذا فلا بد من لزوم أدب المخاطبة دون تذلل، كالخطاب الذي وجه إلى بطريرك الأقباط وإلى سفير بريطانيا.
3- ورغم كل هذه المجهودات، فإننا نعلم أن الذين تربوا في أحضان الأجانب ودانوا بفكرتهم، يصعب استحابتهم، ولا نتوقع أن يكون هناك أثر عملي لمطالبنا. فإن قوماً فقدوا الإسلام في أنفسهم وبيوتهم وشؤونهم الخاصة والعامة لأعجز من أن يفيضوه على غيرهم، ويتقدموا بدعوة سواهم إليه، وفاقد الشيء لا يعطيه. وإنما المطلوب الوصول إلى إنشاء الجيل الجديد الذي يتربى على الإسلام. ومع هذا فسنظل في موقف الناصح حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين.
4- وقد تضطر الجماعة إلى القيام ببعض الأعمال لمساعدة الحكومة على الاستجابة لمطالبها، إذا أنست في العمل فائدة، ومن أمثله ذلك المشاركة في حفل تتويج الملك فاروق، ولقاء المرشد العام بالملك فاروق، واستقباله بجوالة الإخوان، وحفل تكريم النواب بسراي آل لطف الله، واسقبال رئيس الوزراء بعد عودته من مؤتمر فلسطين. وقد يتقدم الإخوان إلى الحكومة بعرض خدماتهم لوضع مطالبهم موضع التنفيذ. إلا أن هذه الأعمال كلها يجب أن تبقى محكومة بالقواعد الشرعية، فلا نشارك في منكر بحجة السياسة.
5- وقد تتعرض الجماعة إلى الكيد من الحكومة بعد انطلاقها في العمل السياسي، فعلى الجماعة أن تلين مواقفها وتحاول أن تجعل الزوابع تمر بشيء من الانحاء يمس ظاهر كرامتها، إذا رأت القيادة فيه الخير الآجل.
الأحزاب :
كانت الأحزاب المصرية في رأي الإمام الشهيد أحزاباً مصنوعة أكثر منها حقيقية، وكان العامل في وجودها شخصياً أكثر منه وطنياً، فقد تكون الوفد المصري من الأمة كلها للمطالبة بالاستقلال على أساس المفاوضة، وتلك كانت مهمته. ثم تفرع منه حزب الأحرار الدستورية للخلاف في أسلوب المفاوضات. وقد انتهت المفاوضة بأساليبها ونظمها وقواعدها فانتهت مهمتها بذلك. وتكون حزب الشعب لايجاد نظام خاص ودستور خاص، وقد انتهى هذا الدستور وذلك النظام بأشكاله وأوضاعه فانتهت مهمته هو الآخر. وتكون حزب الاتحاد لموقف خاص بين السراي والأحزاب.
هذه الأحزاب تتفق جميعاً في عدة أمور: تتفق في أن كثيراً من رجالها قد عملوا على خدمة القضية السياسة المصرية، واشتركوا فعلاً في الجهاد في سبيلها وفي الوصول إلى ما وصلت إليه مصر من ثمرات هذا الجهاد الضئيلة أو الجليلة، فنحن في هذه الناحية لا نبخس هؤلاء الرجال حقهم. وتتفق كذلك في أن حزباً منها لم يحدد منهاجاً دقيقاً لما يريد من ضروب الإصلاح، ولم يضع هدفاً يرمي إليه. وهي لهذا لا تتفاوت في المناهج والأغراض والغايات. وتتفق كذلك في أنها لم تقنع بوجوب المناداة بالاصلاح الاجتماعي على قواعد الإسلام وتعاليم الإسلام، وظل أقطابها جميعاً يفهمون الإسلام على أنه ضروب من العبادات والروحانيات لا صلة لها بحياة الأمم والشعوب الاجتماعية والدنيوية. وتتفق بعد ذلك في أنها تعاقبت على حكم مصر فلم تأت بجديد، ولم ولم يجد الناس في ظل حكمها ما كانوا يأملون من تقدم مادي أو أدبي. ولقد كان لهذا أثره العملي، فقامت في مصر الحكومات غير الحزبية في أوج الظروف وأدق المواقف.
وإذاً فلم يكن هناك خلاف بين الأحزاب المصرية إلا في مظاهر شكلية وشؤون شخصية لا يهتم لها الإخوان المسلمون. وبناء على تلك الظروف الموضوعية ، فقد حدد الإمام الشهيد الموقف التالي: إن الإسلام، وهو دين الوحدة في كل شيء، وهو دين سلامة الصدور ونقاء القلوب والإخاء الصحيح والتعاون الصادق بين بني الإنسان جميعاً، فضلاً عن الأمة الواحدة والشعب الواحد، لا يقر نظام الحزبية ولا يرضاه ولا يوافق عليه. غير أن الجماعة لا تهاجم رجال الأحزاب لأنها في حاجة إلى الجهد الذي يبذل في الخصومة والكفاح السلبي، لتنفقه في عمل نافع وكفاح إيجابي. وتدع حسابهم للزمن، معتقدة أن البقاء دائماً للأصلح.
قضايا العالم الإسلامي :
الاهتمام بقضايا العالم الإسلامي جزء أساسي من عمل الجماعة وفكرها. فنحن بالأساس دعوة عالمية تنبه الإخوان إلى قضايا العالم الإسلامي، وتطرح هذه القضايا على الناس نظرياً وعملياً، هادفة إلى:
1- إحاطة الناس علماً بالقضايا الإسلامية.
2- إيقاظ الروح الإسلامية لدى الناس.
3- إيجاد وعي لدى الشعب بأعدائه وأعداء الإسلام.
4- إقامة الدليل المادي الملموس على تواطؤ الحكومات المحلية مع القوى المعادية.
5- جمع المساعدات المالية والتبرعات من الناس، كأسلوب من أساليب التأثير في نفوس الناس، وربط قلوبهم وعقولهم بالقضية واختبار مدى تجاوبهم معها، إضافة إلى كونه جهاداً مالياً. |