louis vuitton
ugg online
التعريف بالمؤسسة
نشاط سالم يكن
بيانات ومواقف
الإخوان المسلمون
الحركات الإسلامية
الجماعة الإسلامية
فقهيات معاصرة
مراصد الموقع
أبواب دعوية
إستشارات دعوية
حوارات ومحاضرات
بأقلام الدعاة
مواقع صديقة
ملفات خاصة
اتصل بنا


التربية الوقائية للجيل الناشئ
التاريخ : 14/08/2008

 محاضرة للداعية فتحي يكن

 في حفل إفتتاح دور تأهيلية للمشرفين على الدورات القرآنية

التربية الوقائية للجيل الناشيء ودورها في صياغة جيل التغيير

يسعدني أن القي كلمة الافتتاح ، بمناسبة انعقاد " الدورة التأهيلية الرابعة : للمشرفين والمدرسين في دورات القرأن الكريم " والتي تنعقد هذا العام تحت عنوان [ مهارات في التميز التربوي ] مستفتحا بقول الفتاح  العليم  :  { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين }

ولا يفوتني ابتداء أن أحيي وابارك جهود الاخوة المسؤولين والعاملين في " دار القرآن الكريم للحفظ والتلاوة " التابعة لجمعية الاتحاد الاسلامي ، الذين نظموا هذه الدورة وأشرفوا عليها ، بالاضافة الى  كافة الاخوة العلماء والدعاة والاساتذة ، الذين أسهموا بعلمهم وقلمهم وجهدهم في انجاح هذه الدورة .. فللجميع من الله تعالى عظيم الأجر ، كما لهم منا جزيل الشكر .

ومما يثلجُ  الصدرَ، ويـُقـرُ العينَ ، ويبعثُ على الثقة والاطمئنان ، ويؤكدُ مضيَّ حالةِ التجدد والتجديد في المسار الاسلامي الذي  أشار اليه الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بقوله :{ يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها } هو الاختيارُ اللافت  والموفق لعنوان هذه الدورة : [ مهاراتٌ في التميّزِ التربوي ] ..  فنحن ننتمي الى أمة مميّزة .. ممّيزة في عقيدتها ، وعبادتها ، وتشريعها ، وأخلاقها .. وهي بذلك استحقت أن تكون كما جاء وصفها في كتاب الله تعالى :{ كنتم خير أمة أخرجت للناس ، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ، وتؤمنون بالله }

فما أحوج المسلمين عموما .. وما أحوج الاسلاميين والدعاة َ منهم بشكل خاص ، الى أن تكون أعمالهم مميزة ، وبخاصة وأنهم يعيشون عصرا يزخر بالكثير الكثير من الابداعات والعلوم المميزة، والتي توّجت  بما يسمى  اليوم [ نظامَ الجُودة ]  والمشهور  بـنظام : [  الأيزو ] لينهضوا بدورهم الرسالي في هداية العالمين ، وليتحقق فيهم قوله تعالى:{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لكونوا شهداء على الناس ، ويكون الرسول عليكم شهيدا }

إن الاسلام مبني على الجودة  في كل جانب من جوانبه ، وهو يدعو ويحض على الاتقان في كل المجالات ، ويكفي دليلا على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:{ إن الله يحب من أحدكم إذا عمل العمل أن يتقنه } .

الإسلام والجودة

قد لا أكون مبالغاً إذا قلت إن الإسلام – عقيدة ً وشريعة ً وأخلاقاً – وفلسفة ً للكون والإنسان والحياة، هو كمال الجودة وتمامها.. ومن خلال ذلك أمكننا أن نفهم البعدَ غيرَ المحدود في قوله تعالى: ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً[ (المائدة : 3)

وكيف لا يكون الإسلام كمال الجودة والإبداع وهو دين الله ]بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (117) [ (البقرة).

- ] بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (104) [ (الأنعام).

إن الإبداع البشري هو أثر ومظهر من آثار ومظاهر الإبداع الرباني.. بل إنه وظيفة تكليفية ومسؤولية شرعية وليس خياراً بشرياً قبله الإنسان أو رفضه:      ]أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأ نثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40) [ (القيامة)

·                    الجودة والإحسان:

وإذا كانت الجودة مظهراً من مظاهر الإحسان ونتيجة من نتائجه.. فإن الإسلام دعوة مطلقة إلى الإحسان: ]صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ (138) [ (البقرة).

وفي قوله تعالى: ]لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً[ (هود : 7) إشارة واضحة إلى أن الجزاء يتعلق بكيفية الأداء كائناً ما كان هذا الأداء.. وكذلك في قوله تعالى: ] إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7) [ (الكهف) وفي قوله  تعالى: ]الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) [ (الملك). وصدق رسول الله عليه وسلم حيث يقول : { إن الله كتب الاحسان في كل شيْ .. الحديث }

·                    الإسلام يدعو إلى الجودة:

ثم إن من البديهي أن يدعو المبدع إلى الإبداع وأن يحض المحسن على الإحسان.. وهذا مما يتميز به  منهج الله في دعوته الإنسان إلى الجودة والإبداع والإحسان.. وصدق الله تعالى حيث يقول: ]وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ[ (النساء : 125).

> ويقول تعالى: ]وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً[ (البقرة : 83)

> ويقول تعالى: ]لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ[ (يونس : 26)، ]وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ[ (القصص : 77).

> وفي الخطاب النبوي دعوة واضحة بينة إلى الجودة والإتقان والإبداع والإحسان ..  فمن أقواله r: { إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسنه} رواه البيهقي.. ومنها قوله r: { إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه} للبيهقي..

·                    شمولية المنهج وشمولية الجودة:

 

إن شمولية المنهج الإسلامي وتغطيـَـتـَه لكل جوانب الحياة ، واكبتها دعوة إلى الجودة والإتقان على قدر  الامتداد والإتساع نفسه.. وبذلك يكون الإسلام منهجَ الشمولية والجودة والإتقان في عموميات الحياة كما في فروعها وتفاصيلها..

·                    الإسلاميون والجودة:

            قد يعتقد البعض أن الكلام عن الجودة يعني المسلمين .. وقد يستغرب آخرون حصرَ الكلام عن الجودة بالإسلاميين.. وللجواب على ذلك أقول: إن مطالبة الخاصة بالاتقان والاحسان  يجب ان تسبق مطالبة العامة ،وأن الجودة إن غابت في النخبة، فبديهي أن تكون معدومة في الدهماء.. فعلى قدر الموقع يكون التكليف، وبقدر الإدعاء تتشكل المسؤولية.. من هنا كان الإسلاميون مطالبين بإعطاء المثل الأعلى في الإتقان والجودة، لأن في ذلك نجاحَهم في الدنيا وفلاحِهم في الآخرة.

إن علينا أن نعترف كإسلاميين ، أننا على جانب كبير من التقصير في الأخذ بأسباب الإتقان والجودة في جوانب عملنا المختلفة.. وأننا مطالبون قبل غيرنا بالتزام  معايير الجودة التي وضعها الاسلام، وحض عليها .

نحن مطالبون بأن نتقن عبادتنا وأخلاقنا ومعاملاتنا ، وأن نحسن في قولنا وعملنا وخطابنا، وأن نتميز في موافقنا وسياساتنا وعلاقاتنا.. وأن نتطور في تخطيطنا وتنظيمنا وإدارتنا، وأن نتقدم في أدائنا وإنتاجنا وعطائنا.

إن الإتقان والتقدم والتطور المؤدي إلى الجودة يحتاج إلى التأهيل والتدريب كما يحتاج إلى العلم والخبرة. وبلوغ القمة يحتاج إلى الإرادة والهمة ، كما يحتاج إلى الثقة والإيمان. وصدق الشاعر حيث يقول:

قد رشحوك لأمر لو فطنت له   فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

من جودة الاسلام وقائيته

إن من جودة الاسلام ، والاسلام كله جودة ، إعتمادهَ المنهج الوقائي وتفردَه وابداعَه واهتمامَه في ذلك الاهتمامَ البالغ .

 والوقائية  صفة أصيلة ومتلازمة مع كل جانب من جوانب الاسلام ..

* فهو وقائي في مجال العقيدة ، حيث تمثل التقوى ذروة سنام الوقاية..فالذي يتقي الله ، هو الذي يتقي سخطه  ويلتزم حكمه  .. ويطيع أمره  ، مصداقا لقوله تعالى :{ ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ، أن يكون لهم الخيرة من أمرهم }  . 

* وهو وقائي في مجال العبادة .. إذ أن الاستقامة والبعد عن الفحشاء والمنكر ثمرة من ثمرات الصلاة والصوم وغيرها .. فالوقائية تبدو جلية في قول الله تعالى { إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر } وفي قوله { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم((الصيام جنة (أي وقاية) فإذا كان يومُ صومِ أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني صائم إني صائم .. الحديث )).

فالعبادة وإن كان مقصدُها التوجهَ إلى المعبود بالطاعة التزاماً لأمره وطلباً لمرضاته فإن لها مقاصدَ أخرى تبعية  تدخل في صلب عملية التكوين الوقائي للفرد والجماعة .

* وهو وقائي في مجال التشريع .. إذ أن الأحكام الشرعية التي من شأنها تنظيفُ المجتمع من الموبقات ، إضافة الىالعقوبات الإسلامية الزاجرة من شأنها أن تحفظ المجتمع سليماً معافى .

من خلال ما تقدم والذي سقناه على سبيل المثال يتبين لنا أن اهتمام الإسلام بالجانب الوقائي يفوق بشكل كبير اهتمامه بالجانب العلاجي، وهذا ما يجعل المنهج الإسلامي متفرداً على سائر المناهج ذات المنحى العلاجي المرضى .

وعن أهمية الحيطة والوقاية يقول العقيد محمد صفا في كتابه الحرب :( الحيطة هي السلامة أو هي الواسطة لتحقيق السلامة .. إنها الاحتياط ضد الطوارئ والمفاجئات من أي نوع كانت ومن جميع الاتجاهات وإنه واجب كل مسئول (وجماعة) أن لا يؤخذ أبداً على غـُرة ..)

وفي نطاق العمل الإسلامي وحياة الدعوة والدعاة ، الوضع متشابه .. فالحركة التي تأخذ بأسباب الإعداد المميز، العقائدي والفكري والتربوي والحسي ، والتي تكون مناهجُ التربية عندها وقائية ، والتي تصوغُ قراراتها ومواقفها في ضوء شرع الله ، ووفق الأولويات والقدرات والظروف المتاحة .. هذه الحركة تكون مالكة لزمام أمرها ، متـئدة وموفقة في خطواتها ، وغير منساقة أومستدرجة أو مخترقة 

أمثلة من السنة

والسنة النبوية تزخر بإشارات وإيضاحات ، ثم بإرشادات وتحذيرات ، تتناسب مع طبيعة كل مرحلة من  المراحل ،  وقبل مجيئها, وكأنها " إجهزة إنذار مبكر" ينبه الغافلين ويُرشد التائهين, ويزيدُ الذين إهتدوا هدى.

            وللدلالة والتأكيد على اهتمام الاسلام بالإنذار المبكر والعلاج الوقائي أقدم الأمثلة التالية :

* يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ خير الناس قرني الذي أنا فيهم ثم الذين يلَونهم, ثم الذين يلونهم ثم    الذين يلونهم, والآخرون أراذل ] (رواه البخاري).

* وفي هذا تنبيه وتحذير للتابعين, وتابعي التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين, من وعثاء السير. ومنزلقات الطريق ومضلات الهوى, ومن كل الفتن, ما ظهر منها وما بطن, ليستعدوا, وليشمروا, فلا يقعدوا مع القاعدين, ولا يكونوا من الغافلين, فاليوم عمل ولا حساب, ويوم القيامة حساب ولا عمل, وصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : [ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا, وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا, وتهيأوا للعرض الأكبر  ].

* وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام:  [ أنتم اليوم على بينة من ربكم, تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله, ثم تظهر فيكم السكرتان, سكرة الجهل وسكرة حب العيش, وستحولون عن ذلك, فلا تأمرون بمعروف ولا تنهون عن منكر, ولا تجاهدون في سبيل الله, القائمون يومئذ بالكتاب والسنة لهم أجر خمسين صديقاً  ] (حياة الصحابة للكاندهلوي).

* وهذا الحديث يعتبر إنذاراً مبكراً من عواقب الجهل وحب العيش التي من شأنها تعطيل فريضتين مهمتين هما فريضة الحسبة, حيث تشيع المنكرات, وفريضة الجهاد, حيث تنزل الهزائم ويرتع الأعداء في أرض الإسلام.

* وفي إنذار آخر شبيه بالذي سبقه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : [ لا تزال لا إله إلا الله تنفع من قالها, وتصرف عنهم العذاب والنقمة.. ما لم يستخفوا بها.. قيل: وما الاستخفاف بها يا رسول الله؟ قال: يظهر العمل بمعاصي الله , فلا ينكر ولا يغير ] (رواه الصبهاني).

* وفي هذا إشارة ٌ واضحة إلى سوء مصير الساكتين عن الحق, المحجمين عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, مع نطقهم بالشهادتين وهو ما يؤكد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما ركيزتا سلامة المجتمع وأمنه ووقايته ..

* وفي لفتة إستشرافية مخيفة ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : [ إنها تأتي على الناس سنون خداعة, يصدّ ق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق, ويؤتمن فيها الخائن, ويخون فيها الأمين, وينطق فيها الرويبضة ] أي السفيه, (رواه أحمد).

* وقد ينطبق ذلك على هذا الزمان الذي نعيش فيه,حيث تنتشرفيه المفاس والموبقات  التي جاء التحذير النبوي منها ، سابقاً لوقوعها..

عصر الاستهلاك الايماني
 
      يشهد هذا العصر استهلاكا ايمانيا  مريعا ، من شأنه ان يدفع بالكثيرمن المسلمين الى هاوية الافلاس الايماني مصداقا لقوله تعالى : [ فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ]

     ان كل ما حولنا يصرفنا عن الله، ويغرينا بالدنيا وشهواتها  .. والدنيا كما يصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله [ الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ما تعملون .. وإن بني إسرائيل لما مهدت لهم الدنيا وسطحت  تاهوا في الحلية والنساء والطيب والثياب }

 

امامي [ نشرة اسبوعية مجانية] تقع في نحو من اربعين صفحة ، كل صفحة  تمتليء بعشرات الدعايات التي تستهلك الايمان والاخلاق والوقت والمـــــــــال ، ولا تترك للانسان فرصة للتنفس الايماني السليم.

فهذه دعوة الى تنحيف الاجساد ، وتأمين الاصدقاء ، واستيرادالخادمات والحاضنات تتناسب وجميع الأذواق والميزانيات ، وهنالك عروض شتى  كمعالجة الصلع ، وإزالة الشعر، وتنحيف الخصر ، ورفع الصدر،وتقوية الجنس، ووشم الأعضاء، وتغيير خلق الله ، ناهيك عن عروض بيع السيارات والمفروشات والادوات الكهربائية والكومبيوترات والفيلات والشقق والشاليهات .. ترافقُ كلَ ذلك عروضٌ سخية ٌ شيطانية ٌ بالبيع المقسط والدفع الميسر،  من شأنه ان يستهلك عمر الانسان كله .. يضاف الى ذلك تنافس حاد على عروض المطاعم وحفلات الطرب والرقص وما يعف اللسان والقلم عن ذكره؟؟

هذه وسيلة صغيرة ومحدودة من وسائل الاستهلاك الايماني، يضاف اليها ما تزخر به عوالم الانترنت والفضائيات  من وسائل الفسد والإفساد !  

الــوقـاية التربوية

وللدخول في صلب موضوع المحاضرة ، لابد من الانتقال من الكلام عن الوقاية بشكل عام ، الى الكلام عن الوقاية التربوية تحديدا ..

فالتربية هي: عملية بناء الفرد والمجتمع وفق منهج الاسلام ومفاهيمه العقائدية وألأخلاقية والتشريعية. . والعملية التربوية في الإسلام تستهدف  بناء الفرد والمجتمع وفق هذه المفاهيم والمباديء الشرعية .. فإذا تحقق ذلك كان بناء الشخصية الإسلامية بناء متكاملاً ومتوازناً ووقائياً .. بناءً يحقق مناعة ذاتية للفرد والمجتمع يحفظهما من الضياع والانحراف ، والوقوع في فخوخ الأهواء والنزوات .

إن ملاحظة أن تكون العملية التربوية وقائية ، من شأنها خفضُ نسبة المشكلات والآفات في حياة الفرد والجماعة إلى الحدود الدنيا، وبالتالي خفض نسبة الطاقات والأوقات التي تـُهدرعادة في المعالجة ، إلى الحدود الدنيا كذلك  .

إن الساحة الإسلامية عموماً لا تزال تعانى الكثير من إلاخفاقات في العملية التربوية ، ومن بروز وتنامي ظواهرَ مرضية مختلفة  ، والاسباب في هذا الشأن متعددة من ذلك  :

1- أن العملية التربوية  تتم وسط بيئة منحرفة ، فهي لذلك لا تساعد على إنجاح العملية وإنما تتسبب بإجهاضها وإفشالها ..

2- أن هذه البيئة بما تمتلكه من إمكانات التأثير المختلفة التعليمية والإعلامية وغيرها ، قد تؤثر أحيانا على المربي ، وبالتالي على المنهج التربوي نفسه ، كما على آلية التربية كذلك ..

3- أن العملية التربوية لا تزال تراكمية الأسلوب ، لا تقوم على نظرية متكاملة الحلقات والمفردات ، متناسقة الأدوار والخطوات.. فهي تقليدية المنحى ، شأنها شأن البرامج التعليمية (المدرسية أو الجامعية الرسمية) مما يفقدها القدرة على تحويل هذه المفاهيم إلى واقع معاش ، وإلى ممارسات سليمة، وإلى مواقف ومبادرات ذاتية صحيحة للآفراد والجماعات  في شتى المجالات ..

 إنني بصراحة أقول .. إن عملية التربية حتى تكون  فاعلة وجذرية ووقائية  يجب أن  تعتمد  أسلوب ( التخلية ثم الترقية) أي  قاعدة : ( التضعيف ثم التوثيق ) وبعبارة أوضح قاعدة تصفية القديم وبناء الجدي ، أي إزالة مكونات الماضي ، وإعادة بناء الشخصية وفق الأسس والأوليات الشرعية ..

إن العملية التربوية يجب أن تبدأ في ضوء  مسح الحالة التي عليها الفرد : حالة أفكاره وكيف يفكر، حالة  تصرفاته وكيف يتصرف ، حالة علاقاته ومن يعاشر ، حالة مشكلاته ومسبباتها ، حالة ميوله وغرائزه ومدى تحكمه فيها ، نقاط القوة والضعف عنده ، مكامن الخير والشر فيه .. وبعد ذلك يمكن تحديد المربي والمنهج التربوي وسائر التفصيلات الاخرى   .. وكل عملية تربوية تتم خلاف ذلك لا تحقق إلا تراكمات جديدة في شخصية الفرد ، قد تصيب حيناً ولكنها تكون فاشلة في غالب الأحيان ، لأن الجديد بنى على اعوجاج القديم ...

إن على الساحة الإسلامية أن تعيد النظر وبشكل جذري في العملية التربوية .. يجب أن تتحسس الواقع بما فيه من أمراض وعلل ..وأن   تدرس التجارب  التربوية ومدى نجاحاتها ، وأن تستيقن من مدى جدارة المناهج المعتمدة ، لترى في النهاية إن كانت هذه المناهج تتكافأ مع عملية تغير الواقع أفراداً وحركة والارتقاء به إلى المرتجى ؟.

إن العملية التربوية يجب أن تستهدف ومن خلال أي منهج يوضع ومفردات تعتمد وتصنف : تكوينَ جيل إسلامي تكون من مواصفاته :

* أن يكون متفقهاً في شرع الله ملتزماً به . [ من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ]

* أن يكون فاعلاً في مجتمعه وبيئته بأفكاره وسلوكه ومواقفه ، أي أن يوافق لسانُ حاله  لسانَ مقاله، مصداقا لقول علي كرم الله وجهه :[ من نصب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه ، ومعلم نفسه ومهذبها أحق بالاجلال من معلم الناس ومهذبهم ] .

* أن يعيش هم الإسلام وهم المسلمين  في كل شؤونه، لقوله صلى الله عليه وسلم   [ من بات ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ] وقوله : [ من جعل الهم هماً واحدا كفاه الله هموم الدنيا جميعا ، ومن تشعبت به الهموم ، لا يبالي الله بأي واد من أودية الدنيا هلك  ]

* أن يكون واعياً لزمانه وعصره .. مدركاً لما يجرى حوله . فهو إن كان مكلفاً بحيازة ما يجب أن يعرف من الدين بالضرورة فإنه مكلف كذلك بحيازة ما يجب أن يعرف من (العصر ) بكل أحواله السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية وغيرها بالضرورة كذلك ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .

إن نجاح العملية التربوية لا يتحقق من خلال اختزان المعلومات والثقافات والعلوم المختلفة ، وملء الأدمغة بالمعارف ، إنما في تفعيل هذه جميعاً لتؤدى دورها الصحيح في عملية التربية والتكوين الوقائيين  ...

أن نجاح هذه العملية يرتبط كذلك بمدى قدرة المربى على تحديد نقطة البدء في  التكوين ، لأن البداية الصحيحة تحقق النهاية الصحيحة وفي كثير من الأحيان يكون منشأ الفشل في مجال التربية ناجما عن كون المربى لم يعرف من أين يبدأ وكيف يبدأ ، ورحم الله من قال :{ ما كان أوله محرقا كان آخره مشرقا }

أن مثل ذلك كمثل بناء العمارات .. فإن أقيم البناء من غير سبر لأغوار الأرض ، ومعرفة بطبيعتها وتربتها وخصائصها ، وما يلزمها من عمق الأساس ومئونة الحديد والأسمنت وخلافِه ، كان بناء ضعيفاً معرضاً للانهيار والسقوط لدى أدنى اهتزاز .

وفي معظم الأحيان يعود الفشل في الحقل التربوي إلى الأمور التالية :

* أن المربى لم يستكشف شخصية الأفراد وطبائعهم وأفكارهم  ليبني على أساسها .

* أن المربى لا يملك في الأساس المقومات التي تساعد على التربية .

* أن المادة التربوية لم يحسن اختيارها فيتعطل بالتالي مفعولها .

* أن بناء الجديد كان في الفراغ ، أو على أساس غير سليم ، أو فوق تراكمات لم يجر رفعها وإزالتها .

الاسلام منهج الفطرة .. والفطرة هي الوقاية

إن حالة التخبط التي يعيشها الناس وتعيشها الأمم والشعوب ، كما الدول والأنظمة والحكومات والمؤسسات والجماعات ، إنما يعود سببها إلى عدم الأخذ بمبدأ الوقاية, مما جعل كل علاج بعد ذلك صعبا وقد يصبح متعذرا وغير ممكن , وبالتالي يجعل كافة الاجراءات الطبية بعد ذلك  أشبه بصيحة في وادٍ, أو نفخة في رماد..

وأختم كلامي بتقديم بعضَ الأمثلة على نتائج مخالفة الفطرة وعدم الأخذ بنظام الوقاية الاسلامية :

·          فظاهرة وباء العصر [ ألآيدز ] الذي أودى بحياة الملايين ، والذي يتهدد عشرات الملايين بالموت ، هي نتيجة لعدم الوقاية الجنسية ، ولمخالفة فطرة الزواج !  حتى ظاهرة وباء [ السارس ] فقد أكدت الدراسات أنه جاء نتيجة تناول لحوم الكلاب والقطط والخنازير ، وكلها مما حرم الاسلام !

·          وظاهرة عبادة الشيطان وغيرها من ظواهر الإلحاد ، هي كذلك نتيجة مخالفة فطرة الايمان بالله والتزام شرعه . وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول :{ كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه أو يمجسانه }

·          وظاهرة السمنة التي قد تؤدي الى مهالك صحية كثيرة ، وحتى فيما يلجأ اليه هؤلاء من رجيم قاس ومفرط، هي نتيجة لمخالفة الفطرة في الوقاية من الشره والإفراط في الطعام وكلها مما نهى الاسلام عنها في محكم القرآن حيث يقول :{ كلوا واشربوا ولا تسرفوا}ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :{ ما ملآ أبن آدم وعاء قط شرا من بطنه }

·           وظاهرة جنون البقر ، جاءت نتيجة مخالفة الفطرة في إطعام السائمة .   فعندما وقعت  مخالفة هذه الفطرة ، وقدمت للآبقار خلطاتٍ وأعلافا ً  مصنعة من لحوم وعظام الحيوانات النافقة أو المذبوحة ، كانت النتيجة المخيفة ، ظهور ما عرف [ بجنون البقر ؟] والذي كلف الخزينة البريطانية مليارات الدولارات ! وصدق الله تعالى حيث يقول :{ اولم يروا أنا نسوقُ الماءَ الى الأرض الجرُز ، فنـُخرج منه رزقا تاكلُ منه أنعامُهم وانفسُهم ، افلا يُبصرون]السجدة 27، ويقول في موضع آخر :{ وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به ازواجا من نبات شتى ، كلوا وارعوا انعامكم ، إن في ذلك لآيات لأولي النهى } طه 146

·          وظاهرة الإفراط في السهر ومخالفة فطرة النوم والخروج علىالقاعدة القرآنية  المضيئة ر في قوله تعالى  : { وجعلنا الليل لباسا والنهار معاشا} وقوله : { ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله } والتي تفشت في كل المجتمعات حتى الاسلامية منها ، حيث بات الناس لا يأوون الى فرشهم إلا في ساعة متأخرة من الليل ،  جرت الى مفاسدَ كثيرةٍ وخطيرةٍ  على كل الصعد ، التربويةِ منها والصحيةِ والانتاجيةِ والنفسيةِ والذهنيةِ والأخلاقيةِ .

أخير ... إنه لاصلاح للانسان والحياة  ، إلا باعتماد منهج الفطرة ، والتحصن بالتقوى والوقاية ، ولقد جاء أمرُ الله تعالى صارخا جازما في ذلك حيث قال :{ فأقم وجهك للدين حنيفا ، فطرة الله التي فطر الناس عليها لا مبدل لكلمات الله ، ذلك الدين القيم ، ولكن أكثر الناس لايعلمون }

            أمل .. أن تحقق هذه الدورة المباركة  أهدافها في  تأهيل المشرفين والاساتذة بكل ما يمكنهم من النجاح في عملية التربية الوقائية ، وبناء الاجيال الاسلامية المنشودة في عملية التغيير الاسلامي . وبالله المستعان ، وعليه التكلان . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

moncler