الحلقة الخامسة
بقلم فضيلة الشيخ الدكتور عبد المنعم بشناتي
رئيس قسم الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة الجنان – طرابلس – لبنان .
تابع :
ميدان الدعوة
ثالثا ً: صدق النية والإخلاص أصلان في الدعوة :
يقوم العمل الدعوي الى الإسلام على أصول إيمانية متينة ، تكللها النيّة بإخلاص العمل لله - سبحانه وتعالى- ونيّة الدعاة شعور
بالمسؤولية أمام رب العالمين ، وأنه تكليف من رب العالمين ، وأنه تكليف رباني على الداعية أن ينطلق في الدعوة الإسلامية بصدق
وإخلاص ويتفانى في خدمة مواقع الإسلام والجهاد على مدى حياته وبنيّة لا تخمد في الدعوة الإسلامية ، متخذا ً من كتاب الله سبحانه
بما أمر بذلك منطلقا للدعوة الإسلامية ، يقول الله - سبحانه وتعالى - : [وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ
وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ] {البيِّنة:5} .
وكل عمل إسلامي يحتاج الى نيّة ، وفي النيّة الخالصة لله - عز وجل - لدينه القويم ، فإن الدعاة ينصهرون بشكل عجيب مع
بعضهم لخدمة دين الله - عز وجل - القيم .
والنية الصادقة والإخلاص يزيلان العوائق والشوائب عن طريق الدعوة ، ويسقط الحقد والكراهية من قلوب الدعاة ، فيتميزون بصفاء
الروح ، ونقاء السريرة ، وبالعمل الصالح ، ويتصلون بالعامة عن طريق الكلمة الطيبة ، ويعاملونهم بحنوّ وحب ّ ، قال أمير المؤمنين :
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرىء من عمله ما نوى...))
} رواه البخاري – فتح الباري- كتاب بدئ الوحي(1) باب (1) حديث (1){ .
رابعا : منهاج الله في الدعوة استمراها الى يوم القيامة : الدعوة الى دين الله كانت تنطلق على يد الرسل والأنبياء ومريديهم
والرسل تحملوا مشاق الدعوة كل حسب تكليفه في حمل الرسالة والدعوة ، يقول تعالى : [تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ
مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ] {البقرة:253} فلم يسقط لواء الدعوة على مرّ آلاف السنين فكان الرسل يبعثون ليواصلوا
الدعوة الى دين الله - سبحانه وتعالى - حتى وصل الى خاتم الأنبياء والمرسلين ، قام محمد - صلى الله عليه وسلم -
بحمل راية الدعوة الى الله (( الاسلام )) قال الله تعالى مخاطبا الرسول - صلى الله عليه وسلم - : [فَاصْدَعْ بِمَا
تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ] {الحجر:94} فحددت التكاليف ، وعرفت الأوامر والنواهي ، وثبت الإيمان في قلوب الناس ،
واكتمل دين الله فكان محمد آخرالأنبياء يحمل رسالة رب العالمين ، واستبقى الله المؤمنيين على دينه يدعون إليه ويحرصون على نقائه
وصفائه ، قال الله تعالى مخاطبا أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - : [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ] {آل عمران:110} فأصبحت الدعوة الإسلامية في عهدة أمة الإسلام ، ماضية الى يوم
القيامة ، تقود البشرية والأمم الى دين التوحيد ، فلا يحدد مستقبل الدعوة جهد المؤمنيين وحدهم ، ترعاها إرادة الله - سبحانه وتعالى
- وتنتقل من جيل الى جيل ، فقد نمت الدعوة عبر العصور الى كافة أقطار الدنيا تدعو الى الإيمان بالله والإستسلام له وحده لا شريك
له ، والإقرار بالعبودية له ، فنشطت وقويت الدعوة ، فعرف دين التوحيد في جميع الكرة الأرضية والحمدلله .
إن طبيعة دين الإسلام واضحة لا تحتمل التأويل والألاعيب ، والذين يلحدون بهذا الدين يجدون مشقة في التآمر على تعاليمه الواضحة
الصلبة ، ويوجهون إليه التهم والسهام والفتن دون كلل أو ملل ، ويسلطون المحترفين ليحرّفوا دين الله ليميلوا بشرعه فيباركوا الفجور
والفواحش ، ويرفعون عليها صبغة الدين الحديث أو المتحرر ، فهذه سنة الله في خلقه كلما انحرفت البشرية عن عبادة ربها أرسل الله
- سبحانه وتعالى -لهم الأنبياء والرسل ليجددوا لهم أمور دينهم ويعيدونهم الى الطريق المستقيم ، قال تعالى : [ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا
تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ]{المؤمنون:44} .
وقد ختم - سبحانه وتعالى - الرسل بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فانقطع الوحي من السماء من بعده ، فجعل الله هذه
المهمة في أتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله - سبحانه وتعالى : [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ
عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ] {البقرة:143} فالأمة الإسلامية مدعوة الى تحمل مسؤولية الدعوة وهداية الناس الى
العقيدة الصحيحة ، وتبليغ رسالة رب العالمين الى العالم ، حيث توقف الوحي وختمت الرسالات والأنبياء بالاسلام ومحمد - صلى
الله عليه وسلم - وقد صرح بذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم فقال : (( العلماء ورثة الانبياء )) (رواه ابو داود
والترمذي وانسائي وابن ماجة واحمد ) .
فقد ورث الأنبياء العلماء القيام بالدعوة والعلم الشرعي وهم يقومون في بعث دين الله على الأرض ليستمر الى يوم الدين ، يقول الإمام
أحمد بن حنبل : (( الحمدلله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضلّ الى الهدى ، ويبَصّرون
من هم على الأذى ، يحيون بكتاب الله الموتى ، ويبصرون بنور الله العمى ، فكم من قتيل لإبليس أحيوه ، وكم من ضال تائه قد هدوه ،
فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح أثر الناس عليهم )) (إعلام الموقعين 1/9 )
للحديث بقية