louis vuitton
ugg online
التعريف بالمؤسسة
نشاط سالم يكن
بيانات ومواقف
الإخوان المسلمون
الحركات الإسلامية
الجماعة الإسلامية
فقهيات معاصرة
مراصد الموقع
أبواب دعوية
إستشارات دعوية
حوارات ومحاضرات
بأقلام الدعاة
مواقع صديقة
ملفات خاصة
اتصل بنا


  دَمعة على رائد الدَّعوة.. الدكتور فتحي يكن بقلم: الشيخ نزيه مطرجي
دَمعة على رائد الدَّعوة.. الدكتور فتحي يكن

الشيخ نزيه مطرجي خطيب مسجد الإيمان طرابلس -لبنان

يا نفسُ ودِّعي داعيَ الله التقيّ، ويا عينُ اسكُبي الدَّمع سَخيّاً على الحِبِّ الرّضيّ، الذي قبسنا حُبّ الدّعوة من محراب قلبه، ونَهلنا العلم من سحائب فكره، وورّثنا القوة من فَيض عزيمته, وازَّينّا بالأدب والخُلق من صفاء نفسه.

إن من شقاء السعادة أن لذّتها تمرّ كبرق خاطف، أو كظلّ زائل، يغترّ بدوامه الجاهل, فاليوم نشعر أن أيام الشباب معه كانت كفصل الربيع، وساعاته كانت كأيام التشريق، والسعادة بلقائه كيوم العيد.. فأقبل من وراء الحُجب الدّاء، ليَعِدَ بالفناء، ويُنذر باستحالة اللقاء! إنها الدنيا ملتقى الوداع، ما قضى أحدٌ منها لُبانتَه، ولا بلغ مشتاق منها غايتَه. والعاقل من كان دائماً على وَجل من قرب الأَجل، فالدنيا وراءنا، والآخرة أمامنا، والطلب لما وراءنا هزيمة، وفي الإقدام والتطلّع إلى الأمام العزيمة.

إن العلماء والدعاة نعمة من نِعم الله على أهل الأرض، فهم مصابيح الدُّجى، وأَئمّة الهدى، وحجّة الله في أرضه، «مَثلُهم في الأرض كمثَل النُّجوم في السّماء يُهتَدى بهم في ظلمات البرّ والبحر، فإذا طٌمِست النجوم أوشك أن تَضِلّ الهُداة» أخرجه الحاكم.

ولقد أنبتت تربة طرابلس كباراً من العلماء وسُمِّيت مدينةَ العلم والعلماء، ولكنها أنبتت أيضاً كباراً من الدعاة الصّادحين بالحق، الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، وكان فقيدنا الغالي الدكتور فتحي يكن دُرّة في جبينهم، ورائداً في ركبهم! فرأته عيون الرّضا كوكباً دُرِّياً، ووارثاً نبويّاً، ومجدِّداً وفيّاً.. طاعت له الفصاحة، واطمأنّت عنده البلاغة، ودانت لخطابه المنابر، وسالت ليَراعه المحابر، أتته القيادة سامعةً طائعة، وجاءته الزّعامة منقادةً إليه تُجرِّر أذيالَها!

إن أمّة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وَلود وَدود، مَثَلها كمثل المطر، لا يُدرَى أَوّلُه خير أم آخره، والتوالد والتجديد فيها سُنّة ربانيّة، ومِنْحة إلهيّة، ولن تجدَ لسنّة الله تبديلاً، ولن تجد لسنّة الله تحويلاً. إن رجال الأمة كثير، ولكن العظماء والنُجباء قليل، وقد أوضح بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم نُدرة النُّجباء في قوله: «إنّما النّاس كإبلٍ مِائة لا تكاد تجد فيها راحِلة!» متفق عليه. فالإبِل ليست كلّها صالحة للارتحال، والناس يختارون الرّاحلة لمركبهم ورَحْلهم، على النّجابة وتمام الخُلق وحسن المنظر، فهي وطيئة، ذَلول، سهلة الانقياد.. ومَثل البشر كمثَل الإبل، فلا تكاد تجد في مائة من الناس من تَكْمُل محاسنُه، وتبرُز شمائلُه، وتتجلّى فضائله!

وكلما قرأنا هذا الحديث الشريف الذي يشير إلى الصالحين من الأمّة، الذين يَشعّون كالأقمار والنّجوم التي يُهتدى بنورها، ويُقتدى بشُعاعها، لاح لنا في الأفق القريب رجالٌ كالأَنجم الزّاهرة، تحاكيهم في النّجابة والقيادة الرّواحل في الإبل، ومن هؤلاء الرجال فقيدُنا الغالي أبو بلال.

إن حب الناس للمؤمن هو علامة حب الله تعالى له، فقد ورد في الحديث الصحيح: «إن الله إذا أحبّ عبداً دعا جبريل فقال: يا جبريل إنّي أُحِبّ فلاناً فأَحبّوه، فيحبّه أهل السماء، ثم يوضَع له القَبول في الأرض..» متفق عليه، وفي ذلك يقول المولى عز وجل: {إِنَّ الذين آمَنوا وعَملوا الصّالحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدّاً} مريم – 96.

وقد دلّت جموع المصلّين الغفيرة، والجماهير المحتشدة التي سارت في الجنازة على حب الله تعالى لعبده الصالح.

كلّ يوم تمرّ بنا قوافل الموتى فلا نأبه لها، وأكبر نصيبها منا الحَوْقلة والاسْتِرجاع، فلما مرّت بنا جنازة أبي بلال وَلَهْنا وجَزِعنا، لأنه كان مِثالاً فرداً في حياته، فأَحرى أن يكون مُفجِعاً في مماته!

وكل ميت ننقله من ظهر الأرض إلى بطنها، أما الذي شيّعناه بالأمس بالنَّشيج والخشوع، وبالتفجّع والدموع، فإننا نُحسّ أن الجنازة الصالحة تخاطبنا قائلة: قدِّموني! وأننا ننقلها لا إلى حفرة مظلمة، لا أنيس فيها ولا جليس، بل إلى رياض عَطِرة، وجنانٍ نَضِرة، ورَوْحٍ ورَيْحان ورَبّ رحيم رحمن يمنّ بالعفو والغفران!

يا سيّدي! لا عجب أن نذرف لوداعك العَبرات، وأن تَهْمُل أعيننا بالقطرات، وأنت الذي بذلت لنا ماء حياتك، وعُصارة فؤادك، ومضيت راضياً مرضيّاً إلى ربك، وتركت لنا المواريث والنفائس.

بين جنبَيْنا لَوْعة تعتلج لفراقك، لا نعرف سبيلاً إلى التعبير عنها إلا القلم! ولكن القلم يجفّ مِدادُه، واللسان يَعْيَى ويعجز بيانُه في التعبير عن الوَجْد بالفَقْد.

أيها الراحل الحبيب طِبْتَ حيّاً، وطِبْتَ مَيتاً! إننا لا نفقد بموتك صديقاً نأنس بحديثه، بل نفقد قائداً ننتفع بعلمه ونهتدي بحكمته، بل يفقد بعضنا فِلذة قُطعت من مضغة قلبه، وقدوة رفعت من مشهد حياته، ولكن لن يطويها النسيان:

وكانت في حياتك لي عِظاتٌ           وأنت اليومَ أَوْعظُ منك حَيّاً

عرض جميع المقالات
moncler