louis vuitton
ugg online
التعريف بالمؤسسة
نشاط سالم يكن
بيانات ومواقف
الإخوان المسلمون
الحركات الإسلامية
الجماعة الإسلامية
فقهيات معاصرة
مراصد الموقع
أبواب دعوية
إستشارات دعوية
حوارات ومحاضرات
بأقلام الدعاة
مواقع صديقة
ملفات خاصة
اتصل بنا


  فطرة الله بقلم العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
ما من مولود من بني آدم يُخْلَق إلا وقد جهزه الله سبحانه وتعالى بفطرتين اثنتين:

- أولاهما فطرة الإيمان بالله سبحانه وتعالى والركون إلى مشاعر العبودية للخالق الأوحد جل جلاله،

- الثانية فطرة الغرائز الحيوانية التي أودعها الله عز وجل أيضاً بين جوانح الإنسان،http://www.sadazaid.com/mkportal/templates/islam/images/artical/2008/bouti.jpg

وكلا الفطرتين تكون راقدة تنتظر المناخ المناسب ليقظتها، وكلنا نقرأ في هذا قول الله عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:7-8]، {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8-10]، هما كناية عن هاتين الفطرتين اللتين أحدثكم عنهما.

فأما الفطرة الإيمانية فإنما الذي يوقظها في كيان الإنسان إنما هو التربية الدينية المثلى، فإذا تلقى الإنسان من مجتمعه هذه التربية الدينية الصحيحة من خلال عواملها المعروفة -وأبرزها البيت والمدرسة والإعلام - فإن هذا الإنسان يُتاحُ له عندئذٍ أن يقف أمام مرآة ذاته وأن يتعرف على نفسه عبداً مملوكاً خاضعاً لسلطان الله سبحانه وتعالى ، وأن يتعرف على مولاه وخالقه إلهاً واحداً لا شريك له ، وعندئذٍ تستيقظ فطرته الإيمانية بين جوانحه بعد أن كانت برعماً ينتظر المناخ الملائم، هذا الإنسان الذي أتيح له أن يتلقى هذه التربية الإيمانية المثلى يتحول إلى مَلَك يمشي على الأرض، تتفجر بين جوانحه الأخلاق الإنسانية الراشدة، يتصف بالأمانة ولا يمكن أن يركن إلى أي لون من ألوان الخيانة، يركن إلى الصلاح والإصلاح ولا يمكن أن يميل إلى أي لون من ألوان الفساد أو الإفساد، يُؤْثر الآخرين على نفسه ولا يستأثر لنفسه مضحياً بالآخرين، يضحي بمصالحه الذاتية في سبيل مرضاة ربه، في سبيل حماية أرضه ووطنه وحماية أمته، هكذا تفعل الفطرةُ الإيمانية في كيان صاحبها ولكن بعدما تستيقظ، وإنما الذي يوقظها كما قلت لكم المناخ التربوي الملائم.

أما الذي لم تتهيأ له هذه التربية ومضى في حياته قُدُمَاً ،فلسوف تبقى هذه الفطرة الإيمانية راقدة بين جوانحه وإنما الذي يستيقظ فطرة الغرائز الحيوانية المهتاجة التي ابتلانا الله سبحانه وتعالى جميعاً بها، وهكذا فإن هذه الغرائز الحيوانية تستبد بصاحبها إن لم يجد غذاءه التربوي الذي يحرره منها، يستبد ويصبح عوناً لمصالحه الشخصية، يستأثر بدلاً من أن يؤثر، يضحي بالبلد والأرض والوطن في سبيل عرض من الدنيا قليل، يسيل لعابُه وراء كل ما تهفو إليه نفسه من الملاذِّ والأهواء والشهوات المنحطة، وهكذا يصبح هذا الإنسان وبالاً على نفسه ووبالاً على مجتمعه .

هذه حقيقة لا يرتاب فيها أحد، والواقع المجرب قديماً وفي هذه العصور الراهنة أكبر شاهد على ما أقول، وإن أردنا أن نضع أمام أبصارنا وبصائرنا البرهان الساطع الذي يبرز ويجسد هذه الحقيقة فتعالوا إلى هذا المثل الواقعي المتكرر في سائر المجتمعات، رجل يملك مؤسسة مالية كبرى يبحث عن موظف يكون أميناً لصندوقه المالي، وأقبل إليه الكثيرون يعرضون له خدماتهم، فيهم ملحد لا يؤمن بالله واليوم الآخر ولكنه يتمتع بخبرات تؤهله لهذه الوظيفة، ولعل صاحب هذه المؤسسة هو الآخر لا يقيم للدين وزناً بل لعله ملحد من الملاحدة، وينظر فيجد إلى جانبه إنساناً آخر لعله يتمتع بخبرة أقل من الناحية الفنية لكنه يتفحصه وإذا هو مؤمن بالله عز وجل، وإذا هو مرتبط بمراقبة الله سبحانه وتعالى له، قد تلقى هذه التربية التي أحدثكم عنها فهو يضبط نفسه في تقلباته كلها بأمر الله عز وجل، من الذي سيختاره ربُّ هذه المؤسسة ولعله يكون ملحداً؟ كلكم يعلم الجواب، إنه لا يختار إلا هذا الإنسان المتدين الملتزم على الرغم من أنه هو شخصياً لا يقيم للدين وزناً، ذلك لأنه يعلم أن من اتصف بصفات العبودية لله ووضع عبوديته لله موضع التنفيذ وعاش حياته وهو يراقب الله الذي يراقبه، يعلم أن هذا الإنسان لن يخونه، يعلم أن هذا الإنسان لن يغدر به، أما ذلك الآخر فهما بلغت خبراته الفنية فإن عدم انضباطه بالمخافة من الله، وعدم انضباطه بمراقبة الله عز وجل لابد أن يفرض عليه أن يقدم حظوظَه الشخصية على مصالح الآخرين، وهي فلسفة كل إنسان إن تحرر من رقابة الله سبحانه وتعالى.

فالفطرة الإيمانية عندما تستيقظ بين جوانح الإنسان، وسبيل استيقاظها كما قلت لكم إنما هي التربية الدينية المثلى، فإنما تنقل هذا الإنسان من حالٍ إلى حال، هذا الإنسان يصبح في كل تقلباته مع الله سبحانه وتعالى، هذا الإنسان يضع نصب عينيه في كل ساعة من كل يوم أنه ربما سيرحل في نهاية هذا اليوم إلى الله عز وجل، يضع نُصب عينية أن وقفةً تنتظره بين يدي الله عز وجل يحاسبه فيها على الكبير والصغير، أفترون أن هذا الإنسان وهو يعيش حياته هذه مرتبطاً برقابة الله عز وجل يمكن أن يخون أمته؟ يمكن أن ينحرف عن الصدق إلى النفاق؟ يمكن أن يخون وطنه؟ يمكن أن يمد يده إلى عرضٍ من الدنيا قليل، أجراً زهيداً لإعراضه عن مصالح بلده وأمته؟ حاشى، لا يمكن أن يكون ذلك قط.

ولكن الإنسان الآخر يا عباد الله منطقي مع نفسه عندما يلتفت يميناً وشمالاً فلا يرى سلطاناً غير سلطان غرائزه الحيوانية تقوده، لا يرى أمامه مصلحة ينبغي أن يسعى إليها إلا مصالحه الآنية العاجلة، شيء طبيعي أن يضحيَ بالمصالح الأخرى كلها في سبيل ذاته، في سبيل أهوائه، قد يبيعك كلاماً لذيذاً ممتعاً، قد يخدرك بأحاديث طنانة رنانة تدل على الحب والتضحية وما إلى ذلك ولكنه بعد أن يعرض عنك ويُقْبِلَ إلى شأنه وعمله تجده يمارس نقيض ذلك، وصدق الله القائل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:204-206]، هذا تصوير دقيق من كلام الله سبحانه وتعالى لهذه الحقيقة يا عباد الله.

وهكذا نتبين يا عباد الله من خلال هذه الحقيقة التي ألفِتُ نظري وأنظاركم إليها أن الدولة الدينية عندما تتحقق بالضوابط الدينية القائمة على العلم وعلى الوعي معاً فإنما تقود أمتها إلى واحةٍ ظليلة تتحقق فيها المودة ويتحقق فيها الوحدة والنظام والوفاق، تاريخنا الأغر يدل على ذلك وواقعنا الذي نعيشه يدل على ذلك، ولكن هاهنا ساحة قد يسري عليها التباس بالنسبة لبعض الناس، للناس الذين يريدون أن يصطادوا بالماء العكر، هنالك فارق كبير يا عباد الله بين الدولة الدينية والدولة الطائفية، أما الدولة الدينية فهي تلك التي تلتزم هذا النهج الذي حدثتكم عنه، تقف بأمتها وكل فئاتها على اختلاف الدرجات والمراتب تحت مظلة الإيمان بالله والعبودية لله وتُرضِع جيلَها لبان التربية الإسلامية المثلى، هذه هي الدولة الدينية بالمعنى الذي رسمه لنا بيانُ الله عز وجل، هذه الدولة يقودها سلطان الدين إلى هذه الواحة التي حدثتكم عنها، واحة الود، واحة الألفة، واحة التلاقي على التعاون لمصلحة هذه الأمة، واحة الوفاق، ديننا يدعو إلى ذلك كله، أما الدولة الطائفية، - وهي الدولة التي تظل قوى الشر تنفخ في أوارها - فإنما تقود أصحابها إلى حياة من الخصام والشقاق وإلى هرج ومرج بين المذاهب والأديان المختلفة ومن ثم يتبدد الوطنُ وتتبدد مصالحُ الأمة في ضرام هذا الاختلاف وهذا الشقاق.

فرق كفرق ما بين السماء والأرض بين هذين الأمرين ، فالدين الذي تصطبغ به الأمة متمثلة في قادتها ومتمثلة في شعوبها لا يمكن أن تفتح باب الشقاق بين أفرادها وفئاتها ما اختلفت منهم المذاهب، هذا الدين لا يمكن إلا أن يحقق نسيج الألفة، نسيج الوحدة والتضامن على أساس من الجذع الجامع، جذع الوحدة الإيمانية التي تشكل الجامع المشترك بين هذه الفئات كلها، والوعي الديني والإيماني الراسخان المعتَمِدَان على العلم هما الضمانة لهذه الحقيقة التي أقولها لكم، أما الركون إلى الطائفية ونسيان وصايا كتاب الله سبحانه وتعالى ونسيان وصايا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذلك هو الذي يبعث على الهرج والمرج، ذلكم هو الذي يبدد قوة الأمة ويحيلها إلى ضعف، ذلك هو الذي يبدد وحدة الأمة ويحيلها إلى شقاق، نعم، ورأس مال البغاة والطغاة الذين يتربصون بمصالحنا ومبادئنا هو إثارة هذا الشقاق وهذا الخصام، أما موقف الدين الحق الذي ابتعث الله به الرسل والأنبياء جميعاً فهو سد الثغرات، هو جمع الشمل، هو إزالة أسباب الشقاق، وتاريخنا الأغر خير شاهد على هذه الحقيقة التي أقولها لكم، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهيأ لنا أسباب يقظة فطرتنا الإيمانية الإسلامية حتى تتغلب، ولا أقول تقضي، حتى تتغلب على طبيعة الغرائز الحيوانية والشهوانية المتوضعة في كياناتنا.

عرض جميع المقالات
moncler