الإمام الجليل محمد حامد أبو النصر رحمه الله
المرشد العام الرابع لجماعة الإخوان المسلمين
1913 – 1986م
فجر يوم السبت 20/1/1996م انتقل إلى رحمة الله تعالى في القاهرة الشيخ الجليل محمد حامد أبو النصر عليه رحمة الله.
ولد إمامنا الجليل في شهر شباط 1913م بمدينة منفلوط التابعة لمحافظة أسيوط لأسرة عريقة صاحبة تاريخ وطني معروف. وكان جده الشيخ على أبو النصر واحداً من علماء الأزهر الشريف المعدودين في عصره، حصل الإمام على شهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة، ثم تفرغ لرعاية أملاك الأسرة التي كانت واسعة الثراء.
وقد التقى بالإمام الشهيد حسن البنا مؤسس دعوة الإخوان في أواخر عام 1933م حيث بايعه على العمل في سبيل الله تحت راية هذه الدعوة المباركة.. فكان أول من انضم إلى صفوف الإخوان في صعيد مصر، ثم تدرج في مواقع المسؤولي من نائب شعبة منفلوط حتى أصبح عضواً في الهيئة التأسيسية ( مجلس الشورى العام ) ثم عضواً في مكتب الإرشاد العام للجماعة، وتعرض الإمام أبو النصر للاعتقال والسجن وحكم عليه في أحداث 1954م بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة (25) عاماً قضى منها عشرين عاماً في السجون المصرينة، صامداً كالجبل، صلباً لا يتزحزح، قوياً لا تلين له شوكة، حتى خرج في منتصف عام 1974م ليواصل عطاءه وجهاده لرفع راية الإسلام، وظل وفياً لدعوته وقيادته حتى اختير مرشداً عاماً للجماعة خلفاً للمرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله، وكان ذلك في آذار سنة 1986م.
وقد عاشت جماعة الإخوان المسلمين في عهده أحداثاً بارزة على الصعيد السياسي، كان أهمها ترسيخ الوجود الفعلي لرموزها في العديد من النقابات المهنية، ونوادي التدريس الجامعية والجمعيات الأهلية.
خاضت الجماعة في عهده الانتخابات النيابية في نيسام 1987م متحالفة مع حزب العمل والأحرار، مما أتاح لها دخول (36) نائباً إخوانياً لأول مرة في تاريخ الجماعة إلى مجلس الشعب وأدى إلى قيادتها للمعارضة بشكل فعلي، كما خاضت الجماعة التجديد النصفي لمجلس الشورى عام 1989م وقاطعت انتخابات البرلمان سنة 1990م وتبعتها بقية أحزاب المعارضة احتجاجا صعلى استمرار العمل بقانون الطوارئ، وعدم وجود ضمانات كافية لنزاهة الانتخابات.. وفي عام 1992م خاضت الجماعة انتخابات المجالس المحلية.
وفي عام 1993م رفضت قيادة الجماعة منح التجديد للرئيس مبارك لفترة رئاسية ثالثة مما اثار غضب السلطة عليها، وأحال (82) رجلاً من قياداتها إلى المحاكم العسكرية عام 1995م والتي قضت بسجن (54) عضواً من الرموز المعروفة في محاكمة غير قانونية ثم شاركت الجماعة أيضاً في انتخابات مجلس الشعب التي جرت في شهر تشرين ثاني 1995م.
أما أبرز الإنجازات على المستوى الداخلي للجماعة فكانت نجاح القيادة في استكمال الهيكل الإداري والتنظيمي من خلال تنفيذ مبدأ الشورى في اختيار القيادات على جميع المستويات حتى عضوية مكتب الإرشاد، وذلك لأول مرة منذ دخول الجماعة عصر المحن قبل أكثر من أربعين عاماً..
وللإمام الجليل مؤلَّف واحد تحت عنوان (حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبد الناصر).
كان رحمه الله من الرعيل الأول الذي لازم مؤسس الجماعة، وكان من دعائم الحركة منذ الثلاثينيات، وعاش معها محنتها، بل محنها، صابراً محتسباً لم تضعف عزيمته في سجنه ولم تلن من شدة المحن شكيمته، فكان قدوة في الإخلاص وصدق الإيمان.
ظل وفياً لبيعته، مجاهداً لفكرته، حاملاً عبء رسالته رغم أنه قد فاق الثمانين من عمره المبارك . . يقول فيه أحد الكتاب الإسلاميين: ( كنت ترى فيه حمية المؤمن، وحماس الشباب، وشجاعة الأبطال، وحكمة الشيوخ، وحنكة المجرب، ونور الإيمان، وتلحظ فيه حنو الأب، وحبَّ الأخ، ومجاملة الصديق، وبراعة المعلم، وحسن القدوة، وإخلاص المربي، يعطيه سَمتُه وقاراً، وأدبه جلالاً، وسابقته كمالاً، ترى في وجهه هموم الدعوة مع مسحة من الجد وإشراقة التفاؤل، وفي سجاياه كثير من الشموخ، مع حنو وحب وشهامة وكرم وعفة وإباء).
كان شاهد عصر بأكمله، راوية لوقائعه وحوادثه، أمسك دفة الدعوة في انطلاقاتها الاجتماعية والسياسية الأخيرة التي بلغت بها مجالس النقابات والمدن، وتحت قبة البرلمان، وعاصر المكائد والدسائس والافتراءات والتحقيقات، والأحكام الأخيرة، وضرب المثل في كل موقف إلى ان وهن الجسد بفعل المحن والحوادث والسنون، فرحل العملاق رحمه الله، وأسلم الروح لخالقها يسبقها جهاده، وتشهد له غمرات الكفاح، وجبال الصبر، وسحائب الوفاء.
أبينك عهدٌ وبين الجبــال
تزولان في الموعد المنتظر
أبا النصرِ ماذا وراء البقاء
إذا ما تطاول غير السفـر
تعز أبا النصر آن الأوان
ودار الزمان وجاء القـدر
سلام عليك مجاهداً، ومكافحاً، وداعياً إلى الله بإحسان .. وعليك من الله كل رحمة ورضوان
المراجــع :
1. مجلة المجتمع / بدر محمد بدر .
2. معالم على الطريق / د. توفيق الواعي .