تعيش الساحة السياسية اللبنانية في هذه الأيام أجواء استمرار تعثّر تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة بسبب المواقف السياسية الأخيرة لرئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، الذي أعاد خلط الأمور على الساحة اللبنانية بطريقة غريبة عجيبة. وفي الوقت نفسه يتعرض لبنان لحملة تهديدات إسرائيلية متواصلة كان آخرها لرئيس وزراء العدوّ الصهيوني بنيامين نتن ياهو الذي هدد لبنان بالقول «إنه إذا انضم «حزب الله» رسمياً الى الحكومة اللبنانية فإن لبنان يتحمل المسؤولية عن كل هجوم ينطلق من أراضيه».
وفيما رأى البعض أن التهديدات الاسرائيلية للبنان مجرد قنابل دخانية للتغطية على حملة التهويد التي تقوم بها الحكومة الاسرائيلية في القدس وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 والتي أخذت ابعاداً خطيرة مع حظر الأسماء العربية للمدن والبلدان العربية، فضلاً عن حملة تدمير بيوت الفلسطينيين في القدس ومطالبة العرب والفلسطينيين بالاعتراف بيهودية «دولة إسرائيل» كشرط مسبق لقيام تسوية في منطقة الشرق الأوسط، يرى البعض الآخر، على رأسهم النائب وليد جنبلاط، أن التهديدات الاسرائيلية للبنان جدية جداً ويقول: «تذكرنا التهديدات الاسرائيلية المتواصلة بوتيرة يومية بالظروف التي سبقت الاجتياح الاسرائيلي للبنان سنة 1982، لا سيما بعدما كانت الحكومة اللبنانية قد توصلت آنذاك الى ترتيب لوقف النار مع منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1981» ويعتقد البعض أن جزءاً من أسباب التحولات السياسية الأخيرة للنائب جنبلاط مرتبط بتوقعاته المستقبلية للمخططات الإسرائيلية التي تريد استهداف لبنان والمقاومة في الفترة المقبلة، ومن هنا فهو حريص على وحدة الصف الإسلامي في حال وقوع عدوان إسرائيلي كبير على لبنان.
في ظل هذه المعطيات يبدو السؤال مشروعاً عن جدية التهديدات الاسرائيلية للبنان، وهل هناك رغبة اسرائيلية في خوض حرب جديدة في المنطقة تكون مسرحها الساحة اللبنانية؟
بداية، تستبعد المصادر الدبلوماسية الدولية التي على تواصل مع حكومة العدوّ الاسرائيلي قيام «إسرائيل» بأي عدوان على لبنان في هذه الفترة بالذات التي تشهد جهوداً اميركية كثيفة لإحياء عملية التسوية في المنطقة، ولا سيما في ظل حالة الانفتاح الأميركي على سوريا بهدف إقناعها بالدخول في مفاوضات مباشرة مع «إسرائيل» بشأن الجولان والملفين اللبناني والفلسطيني. وترى هذه المصادر الدولية أن أي عملية عسكرية إسرائيلية لا يمكن أن تحصل بدون التنسيق مع الإدارة الأميركية لأن ذلك قد سبب المزيد من التوتر مع الإدارة الأميركية التي لا تشعر بالارتياح لمواقف الحكومة الاسرائيلية.
ويشاطر الرئيس نبيه بري وحزب الله الجهات الدولية في موقفها من التهديدات الاسرائيلية، حيث طمأن الرئيس بري اللبنانيين عموماً والجنوبيين خصوصاً، وقال إنه شخصياً يستبعد شنّ حرب اسرائيلية على لبنان في عام 2009 إلا إذا حصل تطور دراماتيكي غير محسوب، ووضع التهديدات الإسرائيلية للبنان في إطار التهويل النفسي والإعلامي. أما حزب الله، على لسان رئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين، فقد قال «إن كان تهديد باراك جدياً، وأنا أستبعد ذلك، ولا أرجح ذلك، لكن إن كان تهديده جدياً فعليه أن يعلم أنه اذا أخطأ أو ارتكب حماقة ضد لبنان وضد جنوب لبنان وأهل لبنان فسيكتشف حينها أن تموز وآب 2006 لم تكن إلا مزحة بسيطة».
وتربط بعض الأوساط السياسية المؤيدة لرؤية عدم جدية التهديدات الإسرائيلية للبنان بين هذه التهديدات والموقف الاسرائيلي في مجلس الأمن المطالب بتعديل مهمة قوات اليونيفيل في جنوب لبنان بحيث تُمنَح قوات اليونيفيل الموجودة في الجنوب بموجب القرار 1701 مزيداً من السلطات، بحيث يسمح لها بالدخول الى القرى شمالي الليطاني وتفتيش الأماكن التي تشتبه بوجود سلاح فيها بدون الرجوع الى الجيش اللبناني، وهذا ما يرفضه لبنان كلياً. وقد جدد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة هذا الموقف برسالة الى مجلس الأمن طالب فيها بتجديد مهمة «قوات اليونيفيل» كما ينص القرار 1701 بدون أي تعديل، ومعلوم أن أي تعديل في مهمة اليونيفيل في جنوب لبنان يحتاج الى موافقة الحكومة اللبنانية، وموقف الرئيس السنيورة في رسالته الى مجلس الأمن كان حاسماً في رفض أي تعديل، وبالتالي يمكن القول إن التهديدات الاسرائيلية اليومية للبنان هدفها التأثير على مجلس الأمن الذي سيعقد جلسة في السابع والعشرين من الشهر الجاري لمناقشة تطبيق القرار 1701 والتجديد لقوات اليونيفيل في جنوب لبنان.
لكن بالمقابل هناك رأي آخر لا يشاطر الجهات والقوى التي تعتبر التهديدات الاسرائيلية للبنان تهديدات إعلامية لا معنى لها، وفي هذا الإطار يؤكد النائب وليد جنبلاط أن التهديدات الإسرائيلية للبنان «تذكر بالظروف التي سبقت الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982» ويرى أن ذلك «يحتم تكثيف كل الامكانات والطاقات لتأليف الحكومة وفي الوقت نفسه رص الصفوف على المستوى الداخلي لمواجهة أي اعتداءات إسرائيلية جديدة والاستعداد من جانب الدولة والمقاومة لأي طارئ».
وتتحدث أوساط النائب جنبلاط عن أنه أبلغ المحازبين والأنصار بالاستعداد لمواجهة عدوان اسرائيلي كبير على لبنان في فصل الخريف القادم أو في ربيع عام 2010.
وتتحدث مصادر أخرى عن ضغوط أوروبية وعربية كبيرة مورست على الرئيس المكلف سعد الحريري لتجاوز تأثير مواقف جنبلاط السياسية الأخيرة والسير بتأليف الحكومة وفق صيغة 15-10-5 المتفق عليها سابقاً بين الموالاة والمعارضة، وذلك استباقاً لأي تطورات قد يشهدها لبنان والمنطقة في ظل التهديدات الاسرائيلية للبنان وإيران، وخصوصاً أنه يبدو أن حكومة العدوّ الصهيوني برئاسة بنيامين نتن ياهو تريد تفجير الأمور في المنطقة ولن تنتظر الولايات المتحدة الأميركية في معالجتها الهادئة للملف النووي الإيراني.
وفي ظل هذين الموقفين، هناك من يتحدث عن استبعاد أي عدوان إسرائيلي على لبنان بسبب موقف جنبلاط الذي أضعف الموالاة، وهو موقف اتهامي لجزء كبير من اللبنانيين بأنهم متعاطفون أو عملاء للعدو الاسرائيلي.
وفي الجانب الآخر هناك من يرفض كلام حزب الله عن صواريخ جديدة وسلاح مدمّر ومعادلات عسكرية جديدة مثل «تل أبيب مقابل الضاحية الجنوبية» ويسأل: هل يستطيع لبنان تحمل حرب تدميرية ثانية خلال ثلاث سنوات؟
بالخلاصة، لا أحد يستطيع الجزم بنيّات العدوّ الصهيوني تجاه لبنان، لكن من المؤكّد أن «إسرائيل» سوف تستغل أي فرصة لتدمير لبنان مجدداً، في محاولة منها لإعادة رسم خريطة المنطقة السياسية من جديد.
|